لا يتكرر في مواسم كثيرة أن تجتمع عدد من المستويات الشعورية، والتي تمثّل قوى داعمة، وركائز أساسية لخلق حياة متزنة إيجابية وسعيدة.. كما يحدث في مناسبات الأعياد.
ففي العيد يغمرنا شعور فائق بالامتنان لله الذي أعادنا لعيد جديد، وأعاننا على صيام شهر رمضان وقيامه. يتضاعف ذلك الشعور ويتنامى، حين يتوّج بالصدع بالتهاليل وإعلان التكبير لله تعالى في ليلة العيد وصباحه. وكأننا بذلك قد انتظم سيرنا بصورة جماعية، من خلال آلية رقي روحي مستمرة، كل مستوى منها يقودنا بمرونة لمرحلة أعلى من سابقتها .
العيد مناسبة للتعبير عن قوة الحس الجمالي لدى الأفراد؛ وهذا ليس قاصراً على التأنق في اللباس ومجالس الاستقبال وأدوات الضيافة، مع أهميتها وتأثيرها، ولكن يتخطاها إلى الشعور العميق بإنسانية الإنسان، والاعتراف الضمني بحقه في الوجود والتعبير واختبار الحياة.
وفي نهار يوم العيد يحس المسلم بتألق روحاني، وسمو قلبي، وتآلف نفسي غير مسبوق حتى مع الخصوم والمختلفين معنا، يعبّر عن ذلك من خلال رسائل التهنئة وعبارات المعايدة وزيارات الأهل والأقارب. وهذه الحالة الشعورية الراقية التي يتذوّقها كل ذي حس مرهف هي حالة «الحب».
وبطبيعة الحال لا نقصد به الحب الوقتي المبتذل الذي يقوم على الإثارة والتملّك، وإنما هي حالة شعورية تدفع بصاحبها إلى التركيز على الخير في كل التجارب والأشياء، والانتباه إلى الجمال في كل الأشخاص. ومن ثم فمن يحس بالحب الحقيقي، فهو جدير بنشر بذور المحبة في كل الحقول حوله، بعد أن يكون قد عالج أرضها؛ باقتلاع جذور الكره وتطهيرها من الحقد والضغينة، بروح العفو والصفح والتسامح.
وهذه حالة ترقى بصاحبها بسلاسة إلى مستوى داعم آخر وهو الإحساس بالنشوة والابتهاج والفرح. ولأن الفرح كأي حالة شعورية أخرى لها لغتها المعبّرة وسماتها المجسدة، فإن من جماليات الإسلام بأن سمح باللعب الجماعي، والغناء بالضرب على الدف، وهذا أسلوب تعبيري متزن بعيد عن الإثارة العاطفية والإشباع الفوري، فقد جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: «وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب. فإمّا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإمّا قال: «تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم. فأقامني وراءه، وخدي على خده، وهو يقول: «دونكم يا بني أرفدة» حتى إذا مللت قال: «حسبك؟ قلت: نعم. قال: «فاذهبي).
مجموع هذه المشاعر ترسم إحدى أروع لوحات الفن جمالاً، وأكثر المقطوعات الموسيقية تناغماً، وهي كفيلة بأن تخرج إنساناً متزناً سوياً يتمتع بسلام داخلي وفهم أعمق لمعنى أن تكون موجوداً ومتفاعلاً في مشهد الحياة.