عبده الأسمري
في منظومة أي مشروع أو عمل أو مشاركة أو إنتاج لا بد أن يكون الاعتدال فيها منهجاً وأساساً حتى لا تميل كفة الميزان فيحدث الخلل ويحضر الفشل
وعلى مستوى التربية أو المسؤولية أو الأمانة أو الإشراف على عمل أو إدارة فريق موظفين يجب أن يكون التسديد والتقارب عنواناً وحلاً أمام تباعد الآراء أو اختلاف الرؤى مع تواجد الحزم دون قسوة واللين بلا ضعف.
لمجتمعنا قصص وتجارب مع الدلال توجد في اتجاهات عدة تتغلغل في أعمال وقرارات المسؤولين وتتعمّق في حياة الأسر وتعاملات أطياف المجتمع قد تظهر كنتيجة لظواهر متعدِّدة وقد تختفي لتظل مسايرة لخيبات لا تنتهي ومشاريع فشل مستقبلية في طور الإعداد.
الشواهد كثيرة فعندما تفوق منتخبنا الوطني في عام 1994 بمونديال كأس العالم كان اللاعبون يتقاضون رواتب محدودة وعقوداً معقولة وكانوا يفرحون بمكافآت متزنة وكان اللاعب يحضر للملعب كميدان بطولة وإثبات ذات وفي مشاركة منتخبنا الحالية في كأس العالم تغيّر الوضع حضر اللاعبون واستولى الغرور عليهم وهم يتحرّكون بالأناقة العالمية وكأن الرحلة إلى بلاد المنافسة ترفيه أو سطوة للمجاملة أو حظوة للدلال ومواعيد مع البهرجة والتمظهر والاحتفاء بالذوات المنتصرة قبل خوض المنافسة في ظل وجود حفلات الاستقبال والتوديع الفاخرة وساعات الطيران الموثّقة بالصور وسط تنافس محموم للاستئثار بالظهور وكأنهم في سباق مع الانتصار وغرور ذاتي مختلط بالهيمنة وتكريم حتمي قبل المشاركة.
لقد كان الأمر في كأس العالم 94 مختلفاً مع رعيل ماجد ورفاقه كان التوديع لا يتجاوز أكاليل ورد بسيطة وحفلات متواضعة ومصاريف تقييم ومصروفات أداء ومنافسة حقيقية لمقارعة الخصوم ونيل الانتصار أو الحضور بشرف عندها غاب الدلال فطغى إثبات الوجود بكل شرف وفخر.
انطلق منتخبنا إلى روسيا بحجم دلال مهول وبذخ وإسراف في الصور الإعلانية للاعبين مع التطبيل والتدليل الذي عانق المغالاة منذ التأهل وحتى المغادرة فكانت النتيجة خيبة أولى موجعة مؤلمة لحد النخاع لم تخفها أو تخففها كل إعلانات التبرير.
للدلال مواقف أخرى فلقد كان سبباً من أسباب الفساد وتعمّق جذوره فقد مر زمن والمسؤول مدلل لا يُساءل، بل تصف له الموشحات الترحيبية والكلمات الرنانة ويقابل بالتصفيق فظل يعتمد على الظهور والتدليل المعلن مختبئاً خلف توقيعه وسيطرته على شؤون القرار وتمرير الحيل.
وكان المدلّلون يمارسون جزءاً من الإساءة إلى الآخرين والتورط في بعض المخالفات تحت ستار دلال اقترن بصفاتهم الاعتبارية أو قوتهم المالية فكانت الخيبات في تظلمات عدة جاء زمن الحزم والعزم ليقضي عليها في عدل ملكي ساوى الأمير بالمواطن والغني بالفقير والوزير بالعامل والخاصة بالعامة
كان الدلال حاضراً ناضراً في تفشي الوساطات الخاصة بالتوظيف والقبول الدراسي وشؤون التنمية والخدمات فكانت مهر الخيبة الموزعة ببذخ على الضعفاء مهما كانت خبراتهم ومعدلاتهم ومطالبهم فظلت الخيبات حتمية في دلال مخصص لفئات دون أخرى.
حضر الدلال في كل مكان تحت متلازمة (أنا من طرف فلان) أو (والدي يسلّم عليك) وكانت جزءاً من منظومته في تبادل مشترك لإنهاء المعاملات وتسيير المطالَب بين المسؤولين وأصحاب المصالح الثنائية فكانت الخيبات حاضرة في تأخر الأعمال وفي فصول التأجيل والتعطيل وعرقلة التنمية وتفشي الإحباط بين عامة الناس الذين كانوا يرتمون في خيبات أمل فردية تتشكَّل لتكون خيبة لقطاع بأكلمه أو وزارة بأسرها.
الدلال موجود هناك من يمرره ويصنعه وهنالك من يصفق له ويدعمه وينشره ويساعد على تأصيله وها نحن نجني الخيبات في محافل ومناسبات وأمنيات وفي تفشي بعض الظواهر.
ومع توجه الدولة فقد قلّت تلك المشاهد تدريجياً لوجود السيطرة والعقاب والتحكم ولكن ظهور حالات دلال شاذة أو قليلة في هذه الأوقات من شأنها أن تؤسس لخيبات أدهى وأمر وأشمل في مساحات القلوب ودوائر الأنفس وفي عمق المجتمع الذي سيتجرعها وقد تظهر على ضوئها سلبيات متلاحقة لأن الخيبة توزع سوءاتها بسرعة أكبر وبانتشار مذهل.
الحرب على الدلال مطلب وطني وشعبي من جهات الاختصاص ومن المسؤولين ومن كل مواطن وفي كل المجالات حتى نتقي شر الخيبات بوقاية استباقية واستعداد مسبق لأن الاتزان مطلب والتوازن ضرورة حتى تسير أمورنا بمنطق وعقل إلى حيث الفلاح أفراداً ومجتمعاً أشخاصاً وقطاعات.