د. حسن بن فهد الهويمل
الوزارة الفتية بقدر ما هي مسؤولة عن إشاعة الثقافة التحصيلية بمختلف مناحيها، فإنها في الوقت نفسه مسؤولة عن الدخول بثقافتنا في مضامير اللزز، لا للتصدير، ولا للهيمنة، ولكن للمشاركة، وتقديم الأسوة، بحيث نكون في مستوى تصور الآخرين لنا، وتطلعهم إلينا، وبحيث يكون المثقف ممثلاً لثقافةِ أرضٍ درج عليها المصطفى، ونزل فيها الهدى، وخرج منها أولي النهي.
الوزارة كـ[الحكم الرياضي] لا يتدخل في حركات اللاعبين، ولكنه يراقبها، فما حاد منها عن قواعد اللعبة، أوقفه، وحاسبه، وأرشده.
والوزارة كـ[المدرب الرياضي] يُقَدِّم خبرته. ومهمته اكتشاف المهارات، وتنميتها، وصقلها، واستثمارها، وتوظيفها.
سائر المثقفين تُحَرِّكُهم الرغبات، وتوجههم الهوايات، والمهارات، والمواهب، والتجارب. وقد تعصف بهم الأهواء، والشهوات.
وإذاً لابد من المراقبة، والاحتواء، وتهيئة الأجواء.
المثقفون على مختلف مستوياتهم، وتنوعاتهم مواطنون قبل كل شيء، لهم حقوق، وعليهم واجبات، كسائر المواطنين، والدولة بكل مؤسساتها تسهم في إنتاج الثقافة.. والوزارة وحدها المسؤولة عن الإدارة والدولة في الوقت نفسه تمثل السلطة المشروعة. والسلطات الثلاث: -السياسية، والدينية، والمجتمعية-. سلطات مشروعة، لا يجوز تجاهلها، ولا التمرد عليها. ومثلما أن المواطن يرفض التسلط، فإن السلطة الشرعية ترفض التمرد.
هناك [عقد اجتماعي] متبادل. ومن فرَّط في شيء من مقتضياته ربك المسيرة.
أهمية المثقفين أنهم بممارساتهم، ينسجون الأنساق الثقافية، التي تتحكم في سائر الممارسات، والتصورات. ومن ثم لا يمكن الاستهانة بدورهم. إنهم القوة الناعمة التي توجه، والأنامل البارعة التي تنسج اللحمة النسقية.
[وزارة الثقافة] تنوب عن السلطات الثلاث في ضبط إيقاع الثقافة، والمثقفين، وترشيد المسار، والإشراف على صنع النسق الثقافي، على مراد القيادة المؤتمنة على شئون الأمة كافة. ومن حقها المنع، دون القمع، وتقديم البدائل.
[العقد الاجتماعي] كما يراه الغربيون تقابله في الفكر السياسي الإسلامي [البيعة الشرعية] المُسْتَمَدَّةِ سلطَتُها من [الكتاب، والسنة].
والناس بكل شرائحهم، وأطيافهم شركاء في السَّفْينة، ومن حقهم جميعاً التوفر على متطلباتهم المشروعة، ورغباتهم المعقولة.
و[الحرية] التي يتغنى بها كُلُّ إنسانٍ، لاتعني الممارسة المطلقة، إنها حرية منضبطة، تأطر على الكلمة الطيبة، والقول السديد.
و[الثقافة] في النهاية كسبٌ معرفيٌّ، وممارسة قولية، وسلوكية. والوزارة مطالبة في رصد المعطيات، وترشيد المسارات، وشد أزر كافة المؤسسات الرسمية، والتطوعية لتمارس حقها المشروع في النفع، والإمْتاع، هذا فضلاً عن الدعم السخي:- [إنَّ السَّفِينَةَ لاَتَجْرِي عَلَى الْيَبَسِ]..
وبخاصة [الأندية الأدبية] التي لم تنل كُلَّ حقها، أسوة بسائر المؤسسات المجتمعية، فهي مَدِيْنَةٌ. وهي بدون لائحة. وتجربة الانتخابات لم تنجح، وكل شيء فيها مؤقت، وإن قيل في الأمثال الغَرْبية:- [لا يَدُومُ إلاَّ المُؤَقَّتِ].
ثم إن هناك مشروعات ثقافية، نهض بها أفراد، بذلوا: الجهد. والوقت. والمال، ثم انقطعت بهم السبل، وواجب الوزارة تحمل شطر من المتطلبات.
أعرف جيداً التحولات السريعة في مفهوم المقتضيات الثقافية، وأعرف أن الوزارة تستوعب هذه المفاهيم، وأنها تنطوي على [أجِنْدَةٍ] قد لا تكون كما نتوهم.
الوزارة لديها تصور تام لمفهوم الثقافة المعاصرة، وليس شرطاً أن يكون المفهوم كما نعهد، ونتصور، ونميل إليه.
الثقافة تراث، وآثار. كلمة، وصوت. رسم، وفن. نفع، وإمتاع. ولكل شيء من هذا طرفان، ووسط: إفراط، أو تفريط.
ومسؤولية الوزارة ضبط الإيقاع، وحفظ التوازن، والوسطية. إن كانت في الساقة ففي الساقة، وإن كانت في المقدمة ففي المقدمة، بمؤهلاتها، وإمكانياتها.
ما لا أستطيع تصوره إمكانية الفرز بين تَداخل المسؤوليات. وتفادي البغي بين الخلطاء:- {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}.
وأملي أن تكون سائر مؤسساتنا من هذا [القليل]. هناك عدة هيئات أحسب أنها تتداخل في المسؤوليات، والتخصصات.
هيئات: السياحة، والترفيه، والشباب، والإعلام. وبخاصة في مجال الصحافة التي تعد الوسيط بين المثقفين، والمسؤولين. وبوصفها الناقل الأهم للثقافة بكل تنوعاتها القولية، وحتى بعض الأقسام في الجامعات. وخطباء الجمع، ومن ثم لابد من التنسيق، والتوفيق.
- فكيف تكون الوزارة وسط هذا التداخل. وكيف يمكن فرز المسؤوليات؟
لست محبطاً، ولكنني مجرد متسائل، متخوف، منبه. ومن حقي التساؤل، فأنا محسوب على الأدباء، والكتاب، والمفكرين، والمثقفين، و[الأكاديميين] ومن المُطَالِبين بإنشاء وزارة تخدم الثقافة بأبعادها التي أراها الأهم. وهي [الكتاب] و[الكتابة]، و[المكتبة]، و[المؤسسة]، و[المعارض]، و[النشر]، و[التوزيع]، و[الدعم]. أنا متفائل، وسعيد بهذه البادرة المتوقعة.
والوزير الأمير سيكون -إن شاء الله- على شيء من القوة، والأمانة، والحفظ، والعلم. وتلك السمات بعض سمات المسؤول الكفء.
أدعو كافة المثقفين ألَّا يَتَصَوْمعوا في بُرُوجهم التي شيدها الوهم، وألَّا يقولوا للوزير كما قيل لموسى:- {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا}. إن عليهم استقبال المولود السَّوِي، وشد عضد الوزير، بشيء من التنازلات، وشيء من الواقعية. وشيء من الأداء المُحْتَرِمِ لأخلاقيات المجتمع، وثوابته.
المثاليات، والاعتداء في التطلعات، لا يُجْنى منها إلا اليأس، والإحباط. هذه البادرة المرتقبة هدية الدولة الرشيدة لكافة النخب، فلنحسن استقبالها، ولنمهد لها الطرق. ولنكن في الساقة داعمين، وفي المقدمة رواداً، لا نكذب الأهل.
الوزارة كَفٌّ واحدة. والمستهدفون هم الكف الأخرى. والكف الواحدة لا تصفق، فلتلتقي الكفان معاً، ليكون الأداء السليم، والعمل الرشيد.