د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
أبارك لوطني الغالي قيادة وشعبًا بعيد الفطر المبارك، وأبارك بشكل خاص لجنودنا الأشاوس الذي صاموا الشهر خلف السلاح في الحد الجنوبي للذود عن حمى الوطن، وحمى الأمة العربية جمعاء، وأتمنى أن يعودوا لأهاليهم وذويهم منصورين غانمين. كما وأبارك للشعب اليمني الشقيق بالعيد متمنيًا له تخطي محنته التي جلبتها له ميليشيات الحوثي الخائنة. وأخير أبارك لأمتنا العربية والإسلامية.
وتبقى الأمنية الكبرى، وهي على الله ليست ببعيدة، أن تنعم منطقتنا مستقبلاً بالاستقرار والسلام والنماء بعيدًا عن النزاعات والحروب والاقتتال التي لم يستفيد منها إلا أعدائها ومن يرغبون ببيع أسلحة الدمار لها. فهناك بشكل واضح، من الغرب والشرق، من له مصلحة في تأجيج الصراعات في منطقتنا كمن يثير العداء بين أخوين شقيقين ويبيع كلا منهما مسدسًا ليقتل الآخر. وإثارة الشعوبية والصراعات سمة من سمات تاريخنا الطويل لم تنجح سنوات طويلة من التطور في إخراجنا من دائرتها. واتضح لنا اليوم أن أعدائنا القريبين منا جغرافيًا البعيدين عنا وجدانينًا هم ألد أعدائنا الذين يسعون لتدميرنا. فالعصبية الفارسية، والقومية التركية كانتا للأسف ألد الحاقدين علينا ولم يتوقفا طيلة التاريخ المشترك معهما من تأليب شعوبهما علينا، ونحن بالطبع ليس لنا أية عداوة مع شعوب هذه الدول.
متى يفيق العرب على أنهم فرادا سيكونون لقمة سائغة للقوى الخارجية؟ ومتى يفيق المغرر بهم بأن ولاية الفقيه ليست إلا اسم آخر لاحتلال إيران لبلدانهم؟ هذا أمر علمه عند ربي! وللأسف لم يعهد تاريخ العرب الحديث أنهم في يوم ما نظروا بجدية لمصالحهم العليا التي تتحقق في اجتماع كلمتهم، وإنما استمروا في التناحر والاقتتال لأتفه الأسباب، بل هم على العكس من ذلك ركزوا على عوامل الفرقة كالمذهبية، والقبلية، والفئوية وعضوا عليها بالنواجذ وغلبوها على مصالحهم العليا.
وأعتقد أنه ربما أزف الوقت الذي علينا أن نتعلم فيه من أعدائنا الذين استفادوا دائمًا من فرقتنا وقضموا جزءًا كبيراً من أرضنا واحتلوا مقدساتنا لنعرف أن وحدة الكلمة والتضامن الكامل هما أساس العمل الناجح والقوة المؤثرة. العرب المسلمون في العالم مثلاً يفوقون بكثير اليهود عددًا وربما يقاربونهم عدة أيضًا. غير أن التضامن اليهودي، من واقع فهمهم أنهم أقليات في البلدان التي يقيمون فيها جعلهم يتكاتفون بشكل يثير الإعجاب. فالمال اليهودي في الخارج يدعم اليهودي أينما كان سواءً بمساعدته على التحصيل العلمي، أو النجاح التجاري فهم يدركون أن نجاح أي يهودي في العالم يعد نجاحًا لليهود جميعهم. وهم يستثمرون في جوانب الاقتصاد المنتج والمؤثر. اليهودي يشارك اليهودي، يقرض اليهودي، يمنح مساعداته لليهودي بصرف النظر عن جنسيته أو بلده.
واليوم يحذو الصينيون والهنود حذو اليهود، حيث بدؤوا فعلاً يتمركزن بشكل كبير في عواصم العالم الاقتصادية ويشكلون حضورًا مؤثرًا فيها.
أما العرب اليوم، من كافة البلدان غنيها وفقيرها، فهم يملكون أموالاً طائلة في الغرب معظمها في حسابات بنكية سرية أو مستثمرة في قطاعات غير منتجة، أو لدى قوميات أخرى تدعم أبناءها بأموالنا، بينما يعاني ملايين العرب في عواصم مؤثرة من الجهل والفقر والتمزق. فاستثمار المال بدعم المخلصين من أبناء الأمة يمنح صاحبة قوةً ونفوذا. غير أنه وللأسف، أينما ذهبت ترى أحياء فقيرة للعرب، وتشاهد غالبيةً من أبناء العرب يفتقر للتعليم، يتاجر في الممنوعات، ويرتكب الجرائم؛ وتأثيرهم السياسي، نتيجة للجهل، لا يذكر. وبدلاً أن يدعموا أمتهم تحولوا لعبء إعلامي واقتصادي عليها. وبعض العرب، نتيجة لتركم الحقد المزمن على ما حوله، وضيق ذات الحال به، كان لقمة سائغة للمنظمات الإرهابية والمخابرات الأجنبية وارتكب أعمالاً إرهابية غير مفهومة شوهت سمعة الأمة بكاملها وأسهمت في حصارها من كافة الأوجه.
على العرب اليوم أن يفكروا بطريقة مختلفة، وعليهم أن يركزوا على مكامن القوة في تضامنهم، وأن ينسقوا جهودهم ويخططوا لمستقبل أبنائهم وأن يخرجوا من الدائرة الضيقة التي حشروا أنفسهم فيها. الجامعة العربية التي تعمل كجهاز سياسي بيروقراطي فقط، لا نقول إنه فاشل، يجب أن تتغير إلى كيان تنموي داعم للشاب العربي لمزيد من التعليم والنجاح الاقتصادي أينما كانوا، ويمكن أن ينشأ بها بنك تدعمه الدول العربية يقرض أبناء العرب في مشروعاتهم الناجحة أينما كانوا. تدعمهم بقروض ميسرة وليس بمنح لوجه الله، قروض تشترط الحرص على النجاح وعلى مزيد من توظيف العرب.
فيجب إعادة التضامن العربي لسد الفجوات التي ولجت منها إيران وتركيا وغيرهما. لا يمكن أن يبقى العرب على هذا الحال، فهكذا هم يسيرون من سيء لأسوأ وربما بشكل انتحاري. نسأل الله جلَّ وعلا أن يعيد هذا العيد على أمتنا بالتضامن واليمن والبركة، وأن يعم السلام والرخاء كافة أرجاء وطننا العربي.