د. أحمد الفراج
يوم الخميس الماضي، كان الشعب السعودي ينتظر موقعة المنتخب الوطني على أحرّ من الجمر، وصادف أن ذلك كان ليلة العيد، ما جعل الجميع يتوقّع أن يصبح العيد عيدين، ثم كانت الخسارة الثقيلة من منتخب أقل من عادي، ولحسن حظنا جميعاً أن المباراة لم تكن مع أحد المنتخبات المرشحة للحصول على الكأس، مثل ألمانيا أو الأرجنتين أو البرازيل، وبحكم أنني لست مختصاً، فلن أدخل في جدل حول القدرات الفنية للمدرب، أو طريقة إعداد المنتخب، ولكني حتماً سأكتب عمَّا أعتقد أنه مشكلة أزلية، ما زال يعاني منها منتخبنا الوطني، منذ رحيل جيل العمالقة، ماجد عبدالله وصالح النعيمة، ورفاقهما محمد عبدالجواد وصالح خليفة ويوسف خميس وبقية ذلك الجيل، وهو الجيل الذي صنع أمجاداً لا تنسى، في ثمانينيات القرن الماضي، وجعلنا نفخر بإنجازاتهم حتى اليوم!
المشكلة الأزلية، التي يعاني منها المنتخب هي غياب «الروح»، وعدم تقدير الشعار الذي يمثِّل هذا الوطن الكبير، وهذه ليست مشكلة فنية ولا إدارية، والغريب أن جيل العمالقة القديم، على عكس جيل اليوم، كان يعيش على الكفاف، قبل مرحلة الاحتراف المليونية الحالية، ومع ذلك فقد كان اللاعبون حينها يقاتلون في الملعب، ويستأسدون دفاعاً عن الشعار الذي يتشرَّفون بارتدائه، مهما كانت قوة المنتخب المنافس، ومن يشاهد فيديوهات قديمة لمباريات جيل العمالقة، سيشاهد ماذا يعني القتال داخل الملعب، وبحكم أن صالح النعيمة كان هو الكابتن ونجم الدفاع، فإنك تشعر بعد المباراة أنه خرج للتو من معركة حربية، ومثله معظم زملائه، وبسبب استبسال ذلك الجيل، فقد تربعت المملكة على عرش آسيا الكروي طويلاً، وهي التي كانت قبل ذلك تحلم بالحصول على كأس الخليج!
رغم كل الإمكانيات الهائلة التي سخّرتها هيئة الرياضة للمنتخب الحالي، والدلال المبالغ فيه للاعبين، قبل انطلاق كأس العالم الأخيرة، إلا أن اللاعبين، دون استثناء، ظهروا في مباراة روسيا، كما لو أنهم في مباراة ودية لا يشاهدها أحد، رغم أنها مباراة افتتاح كأس العالم، التي شاهدها مئات الملايين حول الكرة الأرضية، وبحضور الرجل الثاني في الدولة، الأمير محمد بن سلمان، فقد كانت الروح غائبة، وبالتالي تفنن لاعبو روسيا كما يريدون، رغم أن تصنيف روسيا أقل من المملكة! ولا شك أن لدينا إشكالية حقيقية في مفهوم الاحتراف، فلاعبونا ربما يفهمون الاحتراف على أنه الحصول على مبالغ طائلة، مقابل اللعب لمدة ساعة ونصف، مع أن الاحتراف الحقيقي يشمل برنامجاً طوال العام، تدخل فيه التغذية والانضباط والفحص الطبي ومواعيد النوم والتدريب، حتى في وقت الإجازة، وليت لاعبينا يشاهدون كيف يلعب عمالقة العالم، مثل رونالدو وميسي وغيرهما، مع منتخباتهم، رغم أنهم يملكون مئات الملايين، وبإمكانهم اعتزال اللعب دولياً، والخلاصة هي أن مشكلة المنتخب الأزلية، منذ رحيل جيل العمالقة، تتلخّص في غياب الروح، ربما بسبب شعورهم بأنهم أكبر من المنتخب والوطن، وهذا ما يتوجّب على المسؤولين العمل عليه، قبل أي شيء آخر، وخصوصاً أن أمام المنتخب لقاءين مهمين جداً خلال الأيام القادمة!