هدى مستور
«إذا كنا دعونا الله ونحن مسلمون وصائمون، فلِمَ الخسارة»؟
سؤال طفلتي البريء يظل عالقاً دون إجابة شافية، ويتكرر طرحه كثيراً مع كل مناسبة يتكبد فيها فريق كروي «مسلم» بهزيمة!
لقد أجرى الله تعالى نظام الكون وفقاً لسنن جارية، وقوانين ثابتة لا تتغير ولا تجامل.
وهذه القوانين تتعامل مع الإنسان، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وفقاً لمجموع نمطين: الأول ظاهره المتمثل في السلوك والممارسة (العالم المرئي)، وثانياً: انعكاساً لباطنه وما يدور فيه من نوايا ورغبات ومشاعر وكذلك أفكار وتصورات (العالم غير المرئي).... هذا على المستوى الفردي، وهو آكد على الصعيد الجمعي {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. ليبقى الحكم في الآخر بناء على الناتج. وحينئذ تتعرى الخفايا، ولا يبقى عيباً مستوراً!
المبالغات المقدمة من الدعم المادي، هي في جوهر حقيقتها لا تجلب النصر، وإنما توهم بالاقتراب منه، على سبيل الخديعة. إذ الحوافز المادية - كما أشرت في مقالة سابقة - تجعل صاحبها عالقاً بدعائم قادمة من الخارج، وهي تراوح به بين مستويات ضعيفة من الشعور كالرغبة والخوف ولا تتجاوز به الفخر والزهو والغرور؛ وهي لا ترقى به حتى لمستوى الشجاعة؛ هذا المستوى الشعوري الذي يدفع صاحبه بحرية وبحزم وإصرار صوب النصر.
يبقى الإنسان معقدًا في تكوينه، يخفى أصلاً على نفسه، تتنازعه في الداخل مشاعر الفوضى والأنانية والظهور والزهو والألم والانتقام والغضب... وكل فشل وإخفاق وتعثر في الخارج إنما هو انعكاس دقيق لما يدور بالداخل، نلحظ ذلك في الحركة الضعيفة، والانتباه البطيء، وردات الفعل غير المدروسة.
ولن يغطي هذا كله دعم مادي مقدم على سبيل الترغيب، كما أنه لن يوقفه أي ممارسة إجرائية على مستوى الغضب. النتيجة واحدة في كل الأحوال. إذ شتان كبير بين من تحركه دوافع صورية، وبين من تدفعه قوى حقيقية.
فرق كبير بين من يتحرك بدافع الإكراه، ومن يتحرك بدافع الحب. بين من هيمنت عليه الأنا الصغرى بدوافعه الأنانية، ومن آمن بقيم جوهرية علوية...
الإنكار والدفع بالمسؤولية بعيداً، ينم عن عقم وكبرياء وهي حيلة للدفاع عن النفس، في حين إن الاعتراف بالمسؤولية، مؤشر على النضج العقلي والعقل المنفتح والإرادة الحرة، وهذا يعد قفزة نحو اليقظة والوعي تقبل الفشل خطوة تفتح المجال لخيارات كثيرة بدلاً من الشعور بقيد العجز وضعف الحيلة.
وأحد البدائل الموفقة: ترشيح جيل ذي فئة عمرية صغيرة تقطن فيه قوى الحياة: البراءة، والتواضع، ونبل الهدف.
والحياة كملعب كبير، تسيره قوانين إلهية، أحدها لا مكان للنجاح الحقيقي فيه إلا لمن يمتلك الأدوات الحقيقية.