عماد المديفر
أربعون عاماً مضت منذ هيمنة عمائم الشر والإرهاب على مقاليد الحكم في إيران، وتسلطها وإرضاخها للشعوب الإيرانية بقوة الحديد والنار، مبررة بشاعة أعمال القمع والقتل والتعذيب التي ترتكبها بحق المدنيين الإيرانيين -حيث يُعدم النظام الإيراني سنويا ما يقارب الألف إنسان، غالبيتهم العظمى من المعارضين وسجناء الرأي والسياسة- بأنها باسم الإسلام! وباسم الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً-! وإن رأس هذا النظام هو «آية الله» ونائب الإمام الغائب على الأرض! لا يخالفه إلا «كافرٌ»، «عدو لله ورسوله»!
ومذ ذاك، والشعوب الإيرانية تذوق الأمرين.. فقر وجهل، وقمع وقتل.. والمنطقة هي الأخرى تموج في حروب وصراعات، سمتها التطرف، والطائفية، رافعة زوراً راية الاسلام، والقتل باسم الله! فقد عمل هذا النظام الرجعي الظلامي على نشر آيديلوجيته الراديكالية، وتصديرها لكافة الشعوب والدول الإسلامية والعالم أجمع بالعموم، وفي منطقتنا بالخصوص؛ حتى أضحت منطقتنا بؤرة حقيقة لتصدير الإرهاب والتخلف والتطرف والكراهية.
جربنا مع هذا النظام كل أساليب التعامل والاحتواء على مدار الأربعة عقود الماضية، بيد أنه لا يزال على منهجه وطريقته، وَإِنْ ناور، وتقلب، وتلون، غير أن مخططه نحو نشر الإرهاب، وزعزعة الأمن الاستقرار؛ مستمر. وهذا هو الطبيعي والمتوقع منه، فهو نظامٌ قائم على فكرة إرهابية تكفيرية متطرفة، توسعية خطيرة، ومن يظن أنه من الممكن إصلاح هذا النظام من داخله؛ فقد أثبتت التجارب والوقائع الميدانية، والحقائق الفكرية التي تقوم عليها كينونته، بأن مثل هذه الظنون؛ وهمٌ، وسراب، يحسبه الظمآن ماءً، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً.
ولم تكن ولن تكون مشكلتنا مع هذا النظام في يومٍ من الأيام طائفية، كما يحاول أن يُسوِّق هو والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وكما يحاول الإعلام الغربي ومراكز الفكر والسياسة الموجهة أن تروج! فالشيعة في بلداننا هم أهلنا، ومنا وفينا منذ القدم، ونحن معاً أبناء وطن واحد.. وقبيلة واحدة، ونحمل هماً واحداً.. ولم نكن في هذا الوطن بالذات إلا معاً.. كينونة واحدة.. لا فرق بين سعودي سني وشيعي في أي شيء، ولطالما جمعنا حب الوطن والولاء له والانتماء إليه والتضحية بالغالي والنفيس لأجله.. وكذلك الحال فيما يخص اخوتنا الشيعة من العرب والمسلمين في كافة أرجاء المعمورة، فمنهجنا منهج السلف الصالح في الوسطية والاعتدال، وحب الخير للجميع، المنهج السلفي الحقيقي، لا منهج التطرف والكراهية والفجور الذي يروج له السرورية والإخوان ثم يلصقونه كذباً وزوراً بنهج السلف والسلف منه برآء. وفي هذا استطراد مهم لا تسعه المقالة، بيد أني أوجز فأقول بأنه لا ينبغي لنا ضمن هذا السياق أن نعزل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين عن عمائم الشر والإرهاب في إيران، فنعتقد أنهم شيئان منفصلان! وأن هذا «سني» والآخر «شيعي»؛ فهذا التقسيم غير صحيح البتة، أثبتته دراستنا لفكر الفريقين وأدبياتهما، تماماً كما صدّقته الوقائع والشواهد على الأرض، والتعاون السري والعلني بينهما، وإن ناورا أحياناً، ومن ذلك ما سبق وطرحته عن تاريخ العلاقة البنيوية بين «ولاية الفقيه» و»ولاية المرشد»، ودعم التنظيم الدولي لثورة الخميني، وتسويق قبولها عند الغرب، والترويج لها عند نشأتها، ومن ذاك التعاون الحقيقي والمثبّت والكبير بين تنظيم القاعدة الارهابي -أحد الأذرع العسكرية لتنظيم الإخوان المسلمين- وبين الملالي، وكذلك الأمر فيما يخص سياسات تركيا الأردوغانية مع نظام الملالي، وأذرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وأدواته الإعلامية والسياسية والاقتصادية والاستخباراتية وغيرها؛ إذ لم يكن الإخوان المسلمون يوماً بأهل سنة وجماعة، تماماً كما لم يكن نظام ولاية الفقيه نظاماً شيعياً أبداً! فهو غريب عن التشيع الحق.. كغرابة الإخوان عن السنة.. وكبراءة الذئب من دم يعقوب، بيد أن الفريقين (وهم فريق واحد في الحقيقة) يعملون على توظيف ورقة الطائفية، بهدف اختراق الصفوف وشقها من جانب، ووسم كل من يكشف حقيقتهم، ويحارب إرهابهم بأنه «طائفي» من جانب آخر.
أما اليوم؛ فكل الشواهد والمؤشرات داخل إيران وخارجها، تشير فيما لا يدع مجالاً للشك إلى حتمية سقوط هذا النظام الظلامي الأسود، الأمر الذي انعكس بدوره على الحراك الشعبي في الداخل الإيراني، فانتقل بمجموعه من مرحلة الغليان، والتململ الصامت، إلى حالة الانفجار الشعبي العارم في الشوارع والميادين، معلناً رغبته في الانعتاق. وهي المظاهرات المستمرة منذ ما يزيد عن الثمانية أشهر، مظاهرات شعبية واسعة، شاركت وتشارك فيها كل أطياف الشعب الإيراني، وبكل أعراقهم، وخلفياتهم، ومذاهبهم.. شيعة وسنة وزرادشيتية، وبمختلف الفئات العمرية، حتى تحولت هذه المظاهرات إلى مواجهات حقيقية في أكثر من 140 مدينة.. وکان آخرها ما جرى ويجري في مدينة كازرون التي کانت ساحة للاشتباكات مع قوات النظام وأصبحت أحد الأمثلة البارزة على ضرورة تغيير النظام. هذه المظاهرات تبشّر ببداية حقبة جديدة وتغيير أساسي.. حيث ردد المواطنون شعارات تكفر بعقيدة النظام التي قام عليها: «الموت لخامنئي» «الموت للدكتاتور» كما أعلن الشعب كشفه لخديعة ما يسمى بصراع الأقطاب داخل النظام، بين (إصلاحيين) و(محافظين)، وأنهم كلهم سواء، ومجرد دمىً يحركها ويتلاعب بها الولي الفقيه ليخدع بها الخارج، ويشاغل بها الداخل؛ فصرخوا في المظاهرات بأعلى صوتهم: «الموت لروحاني» «الموت للنهّاب والسارق»، «لا للفقر، ولا للبطالة، ولا للغلاء»، «لا غزة ولا لبنان، روحي فداء إيران» و»نحن نريد جمهورية علمانية».
اليوم؛ أضحت حتمية سقوط نظام الشر والإرهاب هذا، أقرب من أيّ وقت آخر، فالظروف الدولية الخارجية، والمحلية الإيرانية الداخلية، مهيأة تماماً كما لم تكن من قبل، ومن هنا تبرز أهمية التجمع الموسع الكبير للإيرانيين في الخارج، المزمع عقده في الثلاثين من هذا الشهر الميلادي الجاري، في باريس، والذي تنظمه المقاومة الإيرانية، وهو مؤتمر سنوي عام للتضامن مع الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية لتحقيق الحرية في إيران، وهدفه استتباب السلام والاستقرار، وتعزيز علاقات الأخوة في المنطقة.
يقول لي أحد المنظمين للمؤتمر: إن مجرد عقد تجمع سنوي من قبل المقاومة في قلب أوروبا نفسها هو بحد ذاته يعبر عن مقاومة شعبية منظمة، عاقَدَه العزم، تهدف إلى إسقاط نظام الملالي. بيد أنه هذا العام يأتي في ظرف مختلف، يظهر رصيد المقاومة في الداخل، من خلال تقديم صورة واضحة لأحدث حالات المواجهة بين المقاومة الإيرانية والملالي، وعرض إنجازات وتطورات المقاومة في مختلف مجالات النضال ضد نظام ولاية الفقيه. أما دولياً، فيظهر أيضاً ثقلنا من خلال مستوى الشخصيات السياسية الدولية البارزة والرأي العام الحر والمتقدم. وسنعمل على بيان تهديدات النظام الإيراني على المستوى الدولي، وتعرية تدخلاته المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وتنوير الرأي العام الدولي بشأن استحالة نجاعة سياسة الاسترضاء أو الاحتواء لملالي، والرد على كل من يقول بأنه لا يوجد بديل لحكم الملالي وأنه ينبغي تقبله! أو السعي لإصلاحه من الداخل! وهذا كلام مخادع فارغ ومردود.
إلى اللقاء،،،