محمد سليمان العنقري
قال وزير الخارجية الألماني إن على الاتحاد الأوروبي إصلاح قواعد الحوكمة فيه وينبغي لأعضائه تشكيل جبهة أكثر تماسكاً في مواجهة النظام العالمي المتغير الذي أبرزته التوترات المتصاعدة في علاقات القارة بالولايات المتحدة حليفتها التقليدية.. وذكر بأن النظام العالمي الذي نعرف لم يعد موجوداً بعد سياسات أمريكا الجديدة والتوسع الصيني وما أسماه بتحدي روسيا للقوانين الدولية، لكن كل ذلك يؤكد عدة حقائق لابد من الوقوف عندها لقراءة توجهات المستقبل وبوصلة الاقتصاد العالمي بالدرجة الأولى أين ستتجه.
فالسياسات المتبعة حالياً بكل ما فيها من حروب تجارية وحمائية عالية وتغيير سياسي كبير بالتحالفات من قبل أمريكا تحديداً يؤكد أن الأخيرة تجاوزت أوروبا وأصبحت تنظر لجغرافيا العالم وفق رؤية مختلفة تعتمد التحالفات مع قوى جديدة واستثمار فائض القوة والتقدم العلمي والاقتصادي والعسكري لبسط نفوذ اقتصادي أوسع فعلى سبيل المثال تعد وثيقة ترمب وكيم زعيم كوريا الشمالية فاتحة جديدة لاقتصاد شرق آسيا لأن كوريا بلد فقير بناتجها المحلي الذي يصل إلى 28 مليار دولار، بينما تمتلك ثروة معدنية تقدر قيمتها ما بين 6 إلى 10 تريليونات دولار، وكونها تعتمد على الصين بحوالي 92 % من تجارتها فإنها تنظر إلى أن ذلك لا يسمح لها بالتطور وأن الوقت قد حان لعلاقات أوسع مع العالم خصوصاً أمريكا بينما الأخيرة تريد مناطق نمو واعدة إضافية بدلاً من دول باتت مرهقة لها وتستفيد من التجارة مع أمريكا كثيراً خصوصاً أوروبا وكندا والصين.
أما أوروبا ومع إحساس الوزير الألماني بأن مركبهم الأوروبي أصبح قديما وتزداد ثقوبه مما حداً ببريطانيا ان تقفز منه مبكراً بخروجها من الاتحاد الأوروبي فإن الصورة لمستقبل أوروبا بالنظام الدولي الجديد تزداد قتامةً خصوصاً أنها لم تستطع أن تنفذ اتفاقها مع إيران حتى الآن بعد انسحاب أمريكا منه مما يظهر ضعفها الذي تحاول استدراكه دون جدوى حتى اللحظة، بل إن ترمب سحب دعمه لقمة السبعة الكبار المنعقدة بكندا والتي جل دولها أوروبية وهو ما يوضح أن الأوزان الدولية بعين أمريكا تغيرت وإن التحالفات لابد أن تبنى على أوزان جديدة وبجغرافيا مختلفة واعدة بالنمو المستدام.
النظام العالمي الجديد بدأ منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وقمة أمريكا - كوريا الشمالية مرحلة جديدة باختراق أمريكي لشرق آسيا مستفيدة من قوتها وتأثيرها الدولي الكبير وتبدو أوروبا عاجزة عن مجاراتها ولذلك تحاول أن تجد لنفسها مخرجاً تستعيد فيه قوتها السابقة لكن يبدو أن العالم تجاوز ذلك وأنتج قوى أخرى أهم من أوروبا في مستقبل القرن الحالي خصوصاً أن أمريكا تسابق الزمن قبل أن تجمع أوروبا قواها لكي لا تجد الأخيرة فرصة للعب دور كبير في العالم وتصبح الأقوى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً لو حققت ذلك الاتحاد الذي تحاول بناءه منذ خمسينيات القرن الماضي.