مها محمد الشريف
مهما اختلفت حياة الإنسان المعاصر وتوسطت الصورة الحديثة بينه وبين نفسه وعبرت عن تفاعله، ستحقق بلا شك معنى للقيمة الجمالية والأخلاقية في داخله، فلن يجد أعظم من عيد في كنف الوطن ولا يستطيع التخلي عن فكرة الحقيقة الواحدة وما يحدث خلف هذه الصورة الساحرة، فهل ندرك ما نعيشه من أمن وسعادة.
مما يزيد بشدة من حالة الاستقرار التي ألفتها أرواحنا، فقد كان يوم الجمعة أول أيام عيد الفطر المبارك، وثاني يوم في مونديال كأس العالم بروسيا، والناس بين فرحة العيد ومتابعة كأس العالم، وهكذا بدأ التواصل بين المجتمع والعالم والعلاقات والتأثير، لم تعد حركة الإنسان تعمل على استعادة اجتهادات القدامى، بل تواكب آخر المستجدات والتقنيات بعيداً عن المفهوم المنغلق، لكي تتفوق على الأزمنة القديمة وترتبط بحركة متجددة ومتطورة.
إن أهم ما نريد تسجيله هنا أن العالم في تشكيل مستمر ومتنامٍ ومتغير، وبعناصر مجتمعة تشيّد الحضارات وتبني الإنجازات، في ضوء مصالح مشتركة رغم الحروب والتناحر المستمر من أجل الاستعمار والانتقام.
فقد تأسست الثقافة الأخلاقية الرفيعة على القواعد الإسلامية وشرّعها الدين لتكون تربية دينية رشيدة وجدنا آباءنا وأجدادنا عليها، وحملت قلوبنا وكتبنا هذا التاريخ المجيد وكشف عما تنطوي عليه من أدوار عظيمة قام بها مؤسس هذه الأرض المقدسة ولن تتغير أيامنا وأعيادنا، فكل منا يدرك معنى العاطفة المثيرة التي تشعلها هذه المناسبات السعيدة والأعياد المجيدة، لن نستطيع دفنها لأنها دافع فطري فمن هنا تولد الرغبات العميقة في الانتماء و الحب والترابط الاجتماعي.
لقد مضت القرون السابقة بحضاراتها وعظمائها وقادتها وعباقرتها وفلاسفتها ومؤرخيها، وظل جزء من العالم يعاني من فقر الإنسانية، منهجه التاريخي انسلخ عنه مقابل تحولات غير موضوعية، لكي تحافظ على المقتنيات بل تستهلك الأرواح، فالحضارات تستغرق أمداً طويلاً، ومرحلة ترتبط بالكيفية في أفق الانتصارات والانكسارات والمسؤوليات الثقيلة التي لا يتحملها إلا العظماء.
وليس المتآمرين والساسة المندسين خلف البرلمانات والاتحادات والمجالس، إن المناطق الأكثر حلكة وأشد ظلاماً هي تلك الدول التي أوهمت شعوبها بالمثالية وسرقت الفرحة الجوهرية من قلوبهم، وعادت إلى قانون الغاب، كمنهج تاريخي بعيداً عن القيم، وكنتيجة نهائية لكشف الحجاب عن الأنظمة العميلة للأعداء الذين يحملون حقائب سوداء مفخخة بالمؤامرات، فالزمن اليوم أسرع من بناء حضارة بحجم الحضارات القديمة، فإذا ما استطعنا التغلب على هذا الخطأ في النسبة، لن يجرؤ الحاضر على تخطي الماضي والأسباب أعدت سلفاً.
هذه العقبات في طريق الأمم أجلت تطورهم ردحاً من الزمن، فقد نجحت أوروبا بعد مشقة تعاقبت عليها العصور ولكنها الآن اكتسحت كل الفضاءات والعالم، وقد نجحوا سريعاً في فرض زمن واحد على العالم بأسره، وهو زمن يسيطرون فيه وحدهم على التوقيت والمرجعيات، ولكن بعدما اكتملت ساعة الزمن بدأ معها توقيتنا للزمن المقبل بمعية الحضارة العريقة التي انجبتنا.