د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
الفصل السادس: أداة التعريف
يستعرض في هذا الفصل آراء القدماء في أداة التعريف، وهي أربعة:
1-الأداة همزة أصلية وفتحة ولام: ء - ل، وهو قول الخليل وتابعه من المحدثين كمال بشر.
2-الأداة همزة زائدة وفتحة ولام: - ل، ونسبه ابن مالك لسيبويه، وعليه من المحدثين تمام حسان.
3-الأداة لام فقط: ل، وهو قول سيبويه وتابعه ابن جني.
4-أداة التعريف همزة: أ، وهو قول المبرد.
ورد أستاذنا قول الخليل، على الرغم من انسجامه مع النظام الصوتي للكلمات العربية، بأن الهمزة تسقط في الدرج وليس هذا شأن همزة القطع المتحركة، واعتذر القدماء للخليل بأنها تحذف تخفيفًا، ولكن يبقى أن الفتحة غير ملتزم بها ففي الدرج تكون الحركة قبل لام التعريف كسرة (قالتِ الْبِنتُ.وأما القول بأن الأداة فتحة فلام فمعاند للتركيب الصوتي لكلمات العربية التي تبدأ بصامت لا علة (حركة).
وأما القول بأن اللام أداة التعريف فيعده أستاذنا أصح الأقوال على الرغم مما يمكن أن يعترض به عليه، فقد يقال إنّ كلمات العربية لا تكون من صحيح ساكن، ويرد على ذلك بأن أداة التنكير وهو النون صحيح ساكن، وقد قرر هذا ابن جني، وقد يعترض بوجود فتحة لا كسرة قبل اللام للنطق بها خلافًا للنظام العام، وقد ذكر بعض تفسيرات القدماء المنطلقة من إرادة الخفة وردها، وذهب إلى أن الأصل هو الكسر؛ ولكن الفصحى اختارت الفتح متابعة للهجة قديمة تفتح كما اختارت فتح حرف المضارعة مع أنّ لهجات مثل قيس وتميم وربيعة وأسد تكسر، وبعض اللهجات الحديثة تكسر حرف المضارعة والهمزة قبل لام التعريف، وتفسير أستاذنا مقبول وربما يستأنس بلهجة الكويت التي استغنت عن الهمزة وكسرت لام التعريف (لِكْويت).
ولعل عدّ أداة التعريف حرفًا واحدًا هو ما جعلهم يلحقونه في الكتابة بما بعده فلو كان حرفين لفصل.
وأما قول المبرد فمردود بأنه لا تفسير لوجود لام بعد الهمزة، ولا يكفي القول إنها اجتلبت لدفع التباسها مع همزة الاستفهام، ولم اختيرت الهمزة وحدها، وإضافة إلى ما قال أستاذنا يقال إنه لا تفسير لسقوط الهمزة في الدرج وبقاء اللام، فلو كانت أداة تعريف ما سقطت.
ويرى أستاذنا أن قول سيبويه أقرب الأقوال إلى الصحة؛ لأنه يفسر غياب الهمزة في الدرج، ووجود الكسرة لا الفتحة في الدرج للتخلص من البدء بصحيحين متواليين، وقد وفق أستاذنا في عرض الأقوال ومناقشتها وترجيح قول سيبويه.
الفصل السابع: ألِفات أم هَمَزات؟ يعالج هذا الفصل الألفات التي يعدها اللغويون العرب القدماء زائدة على جذور الكلمة كما في الفعل سافر والاسم كاتب، بخلاف ألف قال المنقلبة عن واو أو باع المنقلبة عن ياء، ويذهب أستاذنا إلى أن الألف الزائدة في حقيقتها هي ألف منقلبة أيضًا؛ إذ هي منقلبة في نظره عن الهمزة، فالبنية العميقة لصيغة فاعَلَ هي فَأْعَلَ، ولصيغة تَفاعَلَ هي تَفَأْعَلَ ولصيغة اِفْعالَّ هي اِفْعَأْلَلَ، ولصيغة يَفْعَلانِ هي يَفْعَلَأْنِ ولصيغة فاعِل هي فَأْعِل، ثمّ إن الهمزة سقطت من هذه البنى ومطلت الفتحة التي كانت قبل الهمزة فصارت فتحة طويلة أي ألفًا، وليس هذا غريبًا في العربية بل هو ظاهرة مطردة في تجاور همزتين متحركة فصامتة في كلمة واحدة، نحو الفعل آمن فهو في الأصل أَأْمَنَ مثل الفعل أَخْرَجَ، وكذلك تحذف الهمزة في مثل رأْس، وبئْر وشؤْم في اللهجات المعاصرة: راس، بير، شوم.
وكان يجدر بأستاذنا أن يستشهد لهذه الظاهرة برواية ورش عن نافع وهي قراءة ما زالت معتمدة في بلاد المغرب العربي إلى يومنا هذا، وطبع مصحف المدينة المنورة بما يوافق هذه القراءة، مثل: وفي رواية حفص عن عاصم {والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4]، وبين أنّ القول بزيادة الألف لا قلبها يفسر إصرار القدماء على خطأين أحدهما الزعم بأن الألف مسبوقة بفتحة وأن الألف ساكنة ولذا يوضع عليها السكون.
ويحتج أستاذنا بجملة من الحجج منها:
1- أحرف الزيادة صحيحة في مثل أفعل وافتعل وانفعل واستفعل ولذا يمكن أن تكون الأحرف الزائدة في فاعل وتفاعل وافعالّ صحيحة كغيرها من أحرف الزيادة وهذا لا يكون إلا بفرض أن الألف الزائدة هي همزة في الأصل.
2- أن المد يقصر إن تبع بساكن مثل: أرادْتُ) أرَدْتُ، ولكن حاجّ (=حاجْجَ) لم تقصر ألفها؛ ولا تفسير لذلك إلا بكونها في الأصل غير مدّ أي همزة (حَأْجَجَ) حاجَجَ) حاجَّ).
وناقش ما يمكن أن يعترض به هذا القول وهو أنه لا حاجة للزعم بأن الألف أصلها الهمزة؛ لأنّ قاعدة تقصير العلة الطويلة (ألف المد) تسبق التخلص من العلة القصيرة، ومعنى ذلك أن الأصل (حاجَجَ) ثم حاجَّ فبقيت الألف.
فردّ بأن هذا ممكن لو كان ينطبق على واو المد وياء المد فهما تقصران (تعلمون وتعلمين) متى أكد الفعل بنون توكيد شديدة: تعلمونَّ) تعلمُنَّ، تعلمينَّ) تعلمِنَّ، وأما الألف فلا تحذف: تعلمانِّ.
ولا تفسير لبقاء الألف إلا بافتراض كونها في الأصل همزة.
3- ويؤيد كون الألف الزائدة همزة في الأصل ما ورد في التراث له صورة مهموزة مثل قراءة (ولا الضالِّين) بالهمز (ولا الضألِّين).
وكذلك (ولا جأنّ) وروي عن العرب: شأبّة، ودأبّة، واحمأرّ، وادهأمّ، وارمأدّ، وابيأضّ، واسوأدّ، وناقش ما ذهب إليه القدماء وبعض المحدثين، وهو أنّ الألف قلبت همزة، وردّ ذلك بأن الواو والياء لم يفعل بهما مثل هذا، فهو أمر كما نص عليه ابن جني خاص بالألف، والقول بأن الأصل همزة ثم سُهّلت أوضح وأكثر انسجامًا مع ظواهر التخلص من الهمزة.
4- وأيد قوله بجواز (حالِل) و(حالّ)، ولكن لا يجوز (حلَلَ) بل (حلَّ)، ويفسر ذلك بأن أصل (حالِل) هو حأْلِل، ولم يوثق أستاذنا هذه الحالة من الجواز؛ إذ الذي نعرفه أنها من مواضع الإدغام الواجب.
كما أن الفعل المضعّف يمكن رده إلى أصله في الضرورة الشعرية، قال المبرد «وَاعْلَم أَنَّ الشَّاعِر إِذا اضطرّ ردّ هَذَا الْبَاب إِلى أَصله، وَإِن كَانَ يرى القَوْل الأَوّل؛ لأَنَّه يجوز لَهُ للضَّرُورَة أَن يَقُول ردَد فِي مَوضِع ردّ؛ لأَنَّه الأَصل كَمَا قَال: (الحمدُ لله العَليِّ الأَجْلَل...) وكما قَالَ (أَنَّي أَجُودُ لأَقْوام وإِن ضَنِنُوا...)»(1).
ولعل أستاذنا أراد المضارع المضعف المجزوم كما في (من يشاقِقْ) في لغة الحجاز و(من يشاقّ) في لغة تميم.
قال النحاس {ومَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ} جزم بالشرط، ويجوز {وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ}(2).
5- لا يمكن تفسير الواو في مصغر شاعر (شويعر) إلا بالقول إن الألف همزة في الأصل: شأعر، الذي يصغر على شُؤَيعر، ومتابعة القدماء في تخفيف الهمزة بوضع واو مكانها: شُوَيعِر(3).
6- يرى القدماء أن مصدر فاعَلَ (قاتل) في الأصل هو فيعال (قيتال)، وأما فِعال (قِتال) فكسرته تقصير لمد الياء، وذلك أن مصدر فاعل كمصدر كل مزيد بحرف يكون ثانيه ساكنا، ولا تفسير لهذه الياء سوى أن ألف فاعل هي همزة وأن المصدر هو فِئْعال، ثم حذفت الهمزة تخفيفًا ومطلت الكسرة: فيعال.
والحق أن ما ذهب إليه أستاذنا هو الصواب فليست الألف سوى فتحة ممطولة بعد حذف همزة أو واو أو ياء.
ولم يستطرد أستاذنا إلى المدود، وهي عندي مطل لحركة سابقة على حرف محذوف.
... ... ...
(1) المبرد، المقتضب، 1: 143.
(2) النحاس، إعراب القرآن، 2: 92.
(3) انظر: سيبويه، الكتاب، 2: 164.