د. عبدالحق عزوزي
تميز اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بمصافحة تاريخية غيرت مجرى الأحداث في النظام الدولي المعاصر، وأوقفت دون سابق إنذار أشواطًا من المجهول والسياسات العسكرية ذات الطعم النووي كادت أن تأتي على الأخضر واليابس في شبة الجزيرة الكورية؛ وقد تمت صياغة وثيقة وقعها الجانبان، وهي طبعًا غامضة جدًا خصوصًا فيما يتعلق بمواعيد تنفيذ بنودها، إذ أشارت إلى مفاوضات لاحقة من أجل تطبيق ما ورد فيها، وهي مسألة مفهومة لعمق الصراع وتداخل العوامل المحددة للفترة النووية السابقة وأولويات المرحلة. وسيتولى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو المفاوضات، بعد أن اضطلع بدور أساسي في إعادة إطلاق الحوار مع بيونغ يانغ؛ كما تتضمن الوثيقة التزامات سابقة لبيونغ يانغ لم يطبقها النظام الكوري الشمالي، ولا تشير إلى نزع للسلاح النووي «قابل للتحقق ولا رجعة فيه» وهو ما كانت الولايات المتحدة تصر عليه قبل قمة سنغافورة.
المصافحة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وصفها العديد من الخبراء في العالم على أنها تاريخية وغيرت مجرى الأحداث فيها، على غرار العديد من المصافحات التي سطرتها أوراق التاريخ، نذكر من بينها:
-في 27 نيسان/ أبريل 2018 التقى رئيسا الكوريتين عند خط ترسيم الحدود العسكرية الفاصل بين الدولتين وتصافحا في اجتماع شكَّل ثمرة تحسن العلاقات في شبه الجزيرة بعد دورة الألعاب الأولمبية التي نظمتها سول في وقت سابق من العام؛ فبتبادل الابتسام والتصافح بالأيدي، التقى الزعيمان في المنطقة منزوعة السلاح شديدة التحصين بين البلدين، وتعهدا بالسعي لتحقيق السلام بعد عقود من النزاع، وأعلنا أنهما سيعملان على التوصل إلى اتفاق لتحقيق سلام «دائم» و»راسخ» في شبه الجزيرة، حيث لا تزال كوريا الشمالية في حالة حرب مع كوريا الجنوبية، من الناحية الفنية... فقد انتهت الحرب التي دارت بينهما، بين 1950 و1953، بهدنة ودون توقيع معاهدة سلام.
- خلال حفل تأبين نلسون مانديلا في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر سنة 2013، تمت مصافحة تاريخية بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الكوبي راؤول كاسترو... فأنهى بذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما عقودًا من القطيعة بين بلاده وكوبا، بالإعلان عن تطبيع العلاقات وفتح سفارة أمريكية في هافانا، بعد صفقة تضمنت إطلاق سراح متعاقد أمريكي محتجز لدى كوبا، وثلاثة عملاء كوبيين محتجزين في الولايات المتحدة، وقامت كندا برعاية هذه المفاوضات. وأكد أوباما على إثر ذلك بأن «العزلة لم تكن مجدية» على مدى 50 عامًا، وزار أوباما كوبا في 2016 في خطوة هي الأولى من نوعها لرئيس أمريكي منذ 88 عامًا واستأنفت خطوط الطيران الأمريكية الرحلات المباشرة إلى هافانا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
- في يونيو 2012 صافحت ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، القائد السابق في الجيش الجمهوري الآيرلندي مارتن ماكغينيس، في حدث تاريخي في عملية السلام في آيرلندا الشمالية. وقبل عقد من الزمان كان من الصعب تخيل هذه المصافحة بين الملكة وعضو سابق في منظمة مسلحة كانت تعد إرهابية، وتسبب في مقتل ابن عم الملكة. إلا أن نجاح عملية السلام والكلمة التصالحية التي ألقتها الملكة خلال زيارتها إلى جمهورية آيرلندا العام الماضي أكسبها تعاطف الكثير من منتقدي الملكية، مما مهد الطريق لهذا اللقاء.
وجرت المصافحة بين الملكة وماكغينيس، الذي كان يشغل نائب رئيس وزراء آيرلندا الشمالية في معرض للفنون في بلفاست، عاصمة آيرلندا الشمالية، ثم تصافحا مرة أخرى أمام الكاميرات بعد وقت قصير. والتقت الملكة بماكغينيس قبل أن ينضم إليهما زوج الملكة الأمير فيليب، ورئيس وزراء آيرلندا الشمالية بيتر روبنسون، والرئيس الآيرلندي مايكل هيغينز وزوجته سابينا...
- بعد شهور من المفاوضات السرية في النرويج، تصافح المرحوم ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في حديقة البيت الأبيض في 13 أيلول/ سبتمبر 1993 للتوقيع على اتفاقية أوسلو، ولا ننسى أنه في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1977 وصل الرئيس المصري أنور السادات إلى إسرائيل في زيارة تاريخية كانت الأولى لرئيس عربي إلى الدولة العبرية؛ وتصافح الرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي حينها مناحيم بيغن؛ وأسفر ذلك عن أول معاهدة سلام عربية إسرائيلية بعد حرب دامت ثلاثين سنة....