لا توجد وسيلة للتعلُّم أفضل من تذوُّق الشيء، ولا توجد سبيل لتذوقه إلا بتجربته واختباره. وكلنا اختبرنا صيام رمضان.. وهذه بعض من ذوقيات صومه ولذائذه:
لذة استغلال الفرص المتاحة:
بأمر ممن بيده الخلق والأمر فإن عددًا من الظواهر الكونية تتهيأ لدعمك، ومساندتك لعودة حقيقية منك لله تعالى؛ فمردة الشياطين تُصفد، وأبواب الجنة تفتح (وسلسلت الشياطين)، وإن كان تجديد علاقتك بالله ممكنة وقريبة منك في كل لحظات حياتك إلا أنها متاحة لك بصورة أقرب خلال رمضان. ويتجسد ذلك من خلال دوام ذكرك لله، والإكثار من الثناء عليه وتمجيده وتسبيحه، ومن قراءة القرآن والصلوات، والإكثار من الأذكار والدعوات. وقد تأكد لدى علماء النفس دور الإيحاء والتكرار في صقل قلبك، وإعادة برمجة عقلك الباطن من جديد لاكتساب نمط جديد، والثبات عليه.
لذة الشكر والحمد والامتنان:
هو ليس تجويعًا أو حرمانًا إنما هو انفتاح، يُخرج الصائم من قبضة اعتياد النعمة؛ فالصائم يصبح منفتح القلب لجميع أنواع الخيرات التي تتنزل عليه، ومنتبهًا للطائف الربانية التي تحفه، ومعترفًا بآلاء الله التي تغمره. في حين أن تركيز نظره في سائر أيام حياته كائن على حاجاته المفقودة؛ وهذا بدوره يضاعف من حجمها في عينه؛ وفي المقابل تتضاءل في حسه النعم المنثورة حوله.. فإن الصوم من شأنه إعادة التوازن للنفس الكفور، وتشافي الإنسان الجحود.
لذة الخصوصية والسرية
في التعامل مع الله:
فالتنافس مع النفس في الارتقاء لمدارج القبول يحس به الصائم، ولاسيما مع قرب أفول الشهر، وترقب ليلة القدر؛ فيحس في أعماقه بلذائذ قربه من الله، فيزيده ذلك حماسة ونشاطًا، مع خلو القلب من مشاهدة الخلق.. وهذا من أنفس أسرار القبول.
لذة الإعلان عن الحاجات والبوح بالرغبات:
ثقتك تزداد بأنك بمجرد ما تنطق برغبتك، وتظهر فاقتك، وتعلن حاجتك، فإن أبواب السماء تفتح لأجلك، وتتنزل الإجابة للتو، ومن فورها. هذا وعد من رب الأرض والسماء.
لذة مراجعة النفس:
فمثلاً هناك عبادة يكثر منها الصائم، هي الدعاء. فإن عدم اكتمال نزول الحاجات، أو تأخُّر معاينتها، يعود لأسباب، قد تخفى على الإنسان العجول بطبعه.. فالصوم فرصة سانحة لمراجعة حميمية صادقة مع النفس؛ فقد يعود ذلك لوهن في قوته الدافعة والمرسلة بالدعاء؛ بسبب نقص في الثقة بالله تعالى، أو لتعثر في طريق السير لكونه لم يزكِّ مسارات نزول حاجته، ويطهر محل استقبالها بالاستغفار والإنابة، وترك المال الحرام.. أو قد يعود لعدم اكتمال جاهزيته؛ بسبب شدة تعلقه بحاجته، ورفعها لمنزلة تفوق قدرها وأثرها. وكان من الأولى أن يسبق إيمانك المطلق بالغيب إيمانك بالغيب بعد تجسده، ولا يشترطه. فأنت عبد لله، شاهد على عبوديتك به - جل جلاله -، ولست عبدًا تشترط شاهدًا لعبوديتك. وقس على عبادة الدعاء سائر العبادات والتعاملات.
لذة خلق أنماط صحية جديدة:
الصائم المتأدب يتدرب خلال نهار صومه على الانتباه لكلامه، وكظم غيظه، وحبس نفسه عن الغضب.. وكذلك فإن الصائم الواعي ينتبه لما يدخله بجوفه، من مطعومات، ومشروبات.. ومن هنا يخلق له عادات سلوكية جديدة. وعدد أيام رمضان كافية لإدراجها كنمط حياة.
لذة الانتصار:
وهذه الفرحة التي أشاد بها الرسول - صلوات ربي وسلامه عليه -: «للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه». وهي تنسي كل ما سبقها من مشقة الاحتمال والصبر، وترفع من تقدير صاحبها لذاته بصورة غير مسبوقة؛ فهذا اعتراف ضمني منك لنفسك بأنك قادر، صالح، ومؤمن، وتدخر بعمقك خيرًا كثيرًا.
لذة الانضباط وتحمُّل المسؤولية:
فحين تختار أن تصوم الشهر - حتى وإن كنت مكرهًا؛ فأنت صمته على أي حال - فهذا إعلان منك لقدرتك على اتخاذ قرار، وتحمُّل مسؤوليته؛ فتمتنع لفترة محدودة وموقوتة عن كل ما يبطل صيامك أو يجرحه، وهذا بدوره يؤهلك بامتياز لاستثمار ذلك، والجمع بين الاستمتاع والإنجاز في ميادين الحياة.