د.محمد بن عبدالرحمن البشر
عيد الفطر فرحة بإتمام فريضة عظيمة، وهي الصيام. راجين من الله قبول الصيام، والقيام، والدعاء، وهو إسعاد للصغار والكبار، والأغنياء والفقراء، واللاهين والأتقياء، وهو رمز من رموز التواصل الاجتماعي في المجتمع، كما أنه صلة رحم عظيمة، فهناك عدد غير قليل من الناس قد لا يتاح لهم اللقاء بأقربائهم، ومن لهم حق عليهم إلا في العيد، وكما أنه معرفة بأحوال الأهل والأصدقاء لتزيد المحبه ويتسع الإخاء.
وزكاة الفطر في عيدالفطر، واجبة، فهي إحدى وسائل إسعاد ذوي العوز ليشاركوا إخوانهم فرحتهم بالعيد، ويسعدون كما يسعد غيرهم، وهي رمز الإخاء والترابط بين أبناء المجتمع، ليكون الجميع قادراً على المشاركة في هذه الفرحة السنوية المتتالية.
تمر الأيام تترى، وتتعاقب السنين أسى وخيراً، ويعيش المرء في دنياه حلوا ومراً، لكن السنوات تمر وتنقضي، فعلام لا نسعد ما استطعنا؟ ونهنأ بما قدّر الله لنا ما قدِرنا؟ والعيد جزء من ذلك الزمان السائر، فلعلنا نغتنمه لإسعاد أنفسنا وإسعاد غيرنا.
أفكر في هذا الكون ملياً، وتعاقب الأعياد دهوراً متواليه، فلا شيء يمكنه أن يغير في حركة الأرض حول نفسها، ولا حركتها حول الشمس ، ولاشئ يمكنه أن ينقل الأرض من مجموعتها الشمسية، ولا المجموعة الشمسية عن مجرتنا، ولا أحد يمكنه أن يأخذ مجرة خط النباته إلى كون آخر، أو يوقفها عن السباحة في هذا الفضاء الفسيح.
لا شيء يغير قدرة الثقوب السوداء وقدراتها العظيمة على ابتلاع النجوم، والقذف بها ربما في أكوان أخرى، فهذا الكون قد صنعه الله بقدر ومقدار، وقد أشار بعض العلماء في الأيام التي مضت أن اصطدام قد حدث بين ثقبين أسوديين قبل مليار وثمانمائة عام، وهي ما يثبت نظرية إنشتاين في وجود نسيج إشعاعي على سطح الأرض، فإن أولئك العلماء لايمكنهم القطع بحدوثه، وإن كان فإنما جزء من حركة كونية متقنة ومتعاقبة.
من وجه نظري والعلم عند الله أن هذا المخلوق المسمى إنسان والقابع على صخور الأرض، لايمكن أن يكون المخلوق الوحيد في هذا الكون أو ربما الأكوان التي تتكون من مليارات من المجرات والكواكب والنجوم.
هذا الكون يدور، منذ مليارات السنين، كما هو العيد تماماً بعمره القصير، منذ أن خلق الله الإنسان، وعرف الإنسان معاني الأعياد منذ نشأة الخليفة.
العيد يعود إلينا منطلقاً من دوران الأرض حول الشمس ودوران القمر حول الأرض ودوران الأرض حول نفسها ليتبين الليل من النهار، وهو دوران منسق بين جميع الكواكب والنجوم والمجرات.
العيد ليس بالضرورة أن يكون متسقاً في إسعاده للناس حتى وإن كان متسقاً في زمانه بالنسبة للأعياد المبنية على التقويم الشمسي، أما الأعياد الإسلامية فهي تتغير في فصولها طبقاً للتقويم الهجري، وقد يكون ذلك معنى من معاني التنوع ليكون العيد شتاء وصيفاً وربيعاً وخريفاً، وكذلك رمزاً من رموز تغير الحياة وأنماطها، فهناك من يموت وهناك من يولد، وهناك من يسعد وهناك من يمرض شفاه الله.
العيد رمز للمحبة والتكاتف والتكافل، وهو رمز لحب الله جلت قدرته أولاً، ولرسوله صلى الله عليه وسلم وذلك امتثالاً لأمره وطاعة له، وهو رمز من رموز محبة الوطن والحرص على أمنه وصون حدوده، وإبعاد الشرور عنه، وهو رمز للعمل سوياً للرفع من مكانته ليسعد الجميع بحبه، وبما ينتج منه من خير عميم.
عيد الفطر له مظاهره الخاصة فدعونا نعيشها، ونمارسها بما اعتاد الناس عليه منذ زمن بعيد، وهو رمز التسامح والعفو وتجاوز الأخطاء، وصفاء القلوب، فدعونا بفعل ذلك.
جعله الله عيداً مباركاً على خادم الحرمين الشريفين وولي عهد الأمين حفظهما الله وعلى الشعب السعودي الكريم والمقيمن بأرضنا وعلينا وعلى سائر بلاد العالم قاطبة.