«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عندما قرأ خبر دعوة المحكمة العليا في المملكة إلى تحري رؤية هلال شهر شوال مساء الخميس التاسع والعشرين من شهر رمضان.. عندها راح يتذكر تلك الأيام التي عاشها وأشقاؤه وشقيقتاه وهم ينعمون بوجود والدتهم ووالدهم، حيث كانت اللحظات مفعمة بالسعادة والبهجة والجميع مشغول بالتجهيز للعيد. لكن أكثرهم انشغالاً هي والدتهم -رحمها الله- إنه يذكر جيداً أنها كانت تواصل الليل بالنهار وهي تتابع كل ما له علاقة باستقبال العيد من الإشراف على تنظيف البيت الكبير تساعدها بناتها وحتى بعض النساء اللواتي كن يخدمن في البيوت. فهذه مسؤولة عن تنظيف مجلس الرجال وتغيير أغطية «المساند» و»الدواشق» بأغطية جديدة تم الانتهاء من تطريزها ورسم الورود في أطرافها. وتلك تعد حلوى «الكليجا» و»الملتوت» مع تجهيز ما سوف يقدم صبيحة العيد من مشروبات ساخنة والتي كان من أهمها الحليب بالزعفران مع الشاي والقهوة. ولا يمكن نسيان المباخر الخاصة بتعطير رواق البيت ومجلسي الرجال والنساء.. وها هو والده كم كان سعيداً وهو قادم من سوق «قيصرية الهفوف» برفقة شقيقه حاملين ثياب العيد والتي كانت مخاطة وجاهزة من عمل خياطين مواطنين من أبناء الأحساء. والذين سبق والاتفاق معهم على خياطة الثياب بعدما أخذوا مقاسهم مسبقاً قبل أكثر من شهر.. نعم يتذكر وجه والده الباسم دائماً وطوله الفارع.كانت السعادة مرسومة على ملامحه كابتسامته.. وهو يضع الثياب والغتر والطواقي وحتى الأحذية «الحساوية» التي أبدع «الخراز» في صناعتها. كانت لها رائحة مميزة يكاد يشمها الآن. رائحة الجلد المدبوغ والذي امتزجت به مواد خاصة بالتلميع.. ولم ينس والده أن اشترى للجميع «عقل» من إنتاج أحد الحرفيين المشاهير في سوق القيصرية. ولم ينس السراويل والفنايل. كل واحد من الأبناء له نصيبه من ملابس العيد.. يذكر جيداً كيف تقافز مع أشقائه حول والده ليتسلم كل واحد منهم ثيابه.. يا الله مشاهد لا تنسى. كانت تتكرر في كل بيت من بيوت الوطن في ذلك الزمن وبعده. أيضاً فالفرحة بقدوم عيد الفطر المبارك وبعد شهر رمضان الفضيل. شهر كله روحانية وصيام وقيام وبعدها يأتي العيد ليسعد فيه ملايين المسلمين الذين يقطفون في العيد ثمار صيامهم وقيامهم من خلال «عيد الفطر السعيد. وفرحتهم وهم يأملون أن الله تقبّل صيامهم وقيامهم. لم ينم كاتب هذه «الاطلالة» ليلتها فتحت «مخدته» ثوب العيد وعلى المشجب المجاور لسريره الحديدي «غترتهعقاله». وبالطبع لم ينم أي فرد في بيتهم.. فالجميع يستعد للعيد والأهم النهوض مبكراً للاستحمام والوضوء ومن ثم التوجه إلى «مصلى العيد» والذي كان يقع جنوب المدينة. وبعد العودة من الصلاة التي عادة ما يحضرها نسبة كبيرة من أهالي المدينة. يعودون بصحبة والدهم -رحمه الله- ومن ثم يتوجهون إلى رواق البيت حيث تكون والدتهم في انتظارهم لتعطرهم من جديد بدهن العود ولتبخرهم. ويتناول الجميع طعام الإفطار. وما أروع إفطار العيد مع الوالد والوالده. كم افتقد تلك اللحظات. رؤية حنا العيد في يد والدته. ورائحة عطرها الخاص الذي اشترته من مكة المكرمة خلال قيامها بأداء فريضة الحج والعمرة. كم يهفو إلى سماع صوتها وهي تدعو لهم بالتوفيق والنجاح وأن يباركنا الله. وكم كانت سعيدة وفرحه وهي تشاهدنا جميعاً في رواق البيت وحول «سفرة» الفطور وهي تردد باسمة من عواده. الله لا يحرمنا من مثل هذه الجلسة معاً وأنتم بخير. ونظرات والده تسبقها ابتسامته وهو يتناول من يدها فنجان القهوة. وهو يقول بالمبارك العيد يا أم عبدالعزيز.. كان هناك بريق يشع من عينيه وهو يشاهدنا جميعاً.. هذا البريق تجده في عيون الآباء والأمهات وهم يشاهدون أفراد أسرتهم وهم بخير وعافية. أنه بريق السعادة في مثل هذه اللحظات المباركة، لحظات العيد.. وكل عيد وأنتم بخير.