سلمان المسعودي
حسناً فعل وزير العدل، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الدكتور وليد الصمعاني، قبل عدة أيام في توجيهه، بالتحقيق مع قاضيين، لم يقفا عند تأدية السلام الوطني، في إحدى المناسبات الرسمية، إلا أنّ الأزمة التي نواجهها، أكبر من مجرد التوجيه بالتحقيق، والمعالجة الآنية، فالبنية الثقافية السعودية، مازالت تحمل الكثير من القضايا الشائكة، والجدلية، وفي أحايين كثيرة، تظل في طور الصمت، وضمن دائرة المسكوت عنه.
لقد افترضت بعض التيارات الدينية، وآمنت بوجود صراع حقيقي، وحتمي، بين ماهو ديني، وماهو وطني، وطبيعي أن يساهم مثل هذا الفهم، في قتل الكثير من المفاهيم الوطنية النبيلة، والضرورية لقيام المجتمعات الآمنة، والقوية.
لقد أثار هذا الحدث، الكثير من ردود الأفعال، داخل المجتمع السعودي، وخارجه، وأعاد طرح العديد من القضايا، ذات العلاقة الدينية الوطنية المشتركة، والتي لم تحسم بعد، بل ظلت قابعة، ومتوارية في المنطقة الرمادية، إلى إشعار آخر حتى الآن .
ليس جديداً القول أنّ كثيراً، من المجتمعات العربية، تعاني من أزمة هويات متباينة، خلقت في أحايين كثيرة، صراعات فكرية حادة، وفي أحيان أخرى عسكرية مؤلمة، كان ضحيتها في نهاية المطاف، مفهوم الوطنية، والوطن الواحد، الذي اتسع للجميع .
في المملكة العربية السعودية، من الطبيعي أن تأخذ هذه الخلافات، بعداً دينياً بشكل أو بآخر.
إلا أنّ المستجدات، والمتغيرات الدائمة، كانت كثيراً ماتفرض نفسها، وفي كل مرة بشكل أكبر وأكثر إلحاحاً، وتحدياً من ذي قبل .
إنّ مقولة الإسلام، صالح لكل زمان ومكان، تقتضي إسلاماً، تتضح فيه الرؤية، والفوارق، بين ماهو ثابت قطعي، وماهو متغير لحظي، أنتجته ظروف، واعتبارات المرحلة زمانياً ومكانياً.
إنّ تغيير الفتوى أو الحكم، بتغير الزمان، والمكان، والظروف المعتبرة، أمرٌ مقرر لدى فقهاء الإسلام العظام، وقد سُطر كثيراً في كتبهم ومؤلفاتهم، فالإسلام لم يأت ليقف بوجه الحياة بل ليسير معها.
قضية القاضيين، تعبر عن وجود أزمة حقيقية، تتمثل في عدم وضوح مفهوم الوطنية الجامعة، وحدود كل من الدين، والوطن، والعرف، والعادة والتقاطعات، والتداخلات المشتركة بينها.
قبل عدة سنوات، قررت وزارة التربية، والتعليم، إدراج مادة جديدة، ضمن المناهج الدراسية المختلفة، لتعزيز الانتماء، والحس الوطني، إلا أنّ المادة المقدمة، كانت سطحية جداً، قياساً إلى القضية، وعمقها الديني، والفلسفي، ولم تقدم شيئاً يذكر، غير المزيد من المعلومات الجغرافية، والتاريخية المعروفة!
إنّ التمسك بالأمر الواقع، دون تغييره، يؤدي إلى تكريس الأزمة القائمة، وزيادة تعقيدها، وقد حان الوقت، لطرح كافة القضايا ذات الصلة، للخروج برؤية وطنية، ودينية جامعة، وواضحة، وحينها يكون الوقت قد حان، لبناء حس وطني عظيم يعضده- لا يقتله - فهم ديني صحيح، يسهم في عمارة هذه الأرض، التي أراد الله، والتي تسمى الوطن.