د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** نعيش علائقَنا بين «حاملي المسك ونافخي الكير» الذِّين وردوا في الأثر الكريم -بصيغة المفرد- مثالا للجليس الصالح وجليس السوء، وتجلى المعنى -كما لم يتجلَّ من قبل- حين صار جلساؤنا «الافتراضيون» أرقامًا بخاناتٍ مئوية وألفيةٍ ومليونية، وبينما كان الأب والأم يختاران أو يختبران أصدقاء أولادهم بشكل مرئي وآخر خفي لم يعد أحدٌ يعرف «مَن جلساءُ مَن»،وبعد سنواتٍ لن تطول يرحل خلالها جيلُ التقليد ويتصدر جيل التجديد سيكون للمجتمعات ألوانٌ مختلفة وستتبدل قيمٌ متحكمة، ومن يعش طويلا يرَ عجيبا.
(2)
** حين نقارن جيلا بجيل أو زمنًا بزمن فأول شروط المنهجية ألا نحكم بالأفضلية المطلقة بدءًا، وعندما تَمِيز في أذهاننا رحلةٌ أو مرحلةٌ فوفق معايير موضوعية، وإذا تم هذا فإن مراكز البحوث التربوية والاجتماعية مطالبةٌ بتوقع الحال «الثقافية» لجيل التعليم العام ممن تستوطنهم العوالمُ الرقمية في قراءاتهم وألعابهم ومشاركاتهم المكتوبة والمسموعة والمرئية من حيث وعيُ الذات وعلمية المصطلحات ودقة اللغة وسلامة البيان وعفة اللسان وتقدير الآخر، والخشية أن نهمل مثل هذه الدراسات اتكاءً على تناسخ الأجيال ثم نكتشف أنهم مختلفون مبنىً ومعنىً عن السابقين من الأولين والآخِرين.
(3)
** قبل أعوام كنا نستطيع معرفة رموزنا المجتمعية أو على الأقل كنا قادرين على حصرهم وربما أعطينا مالا يحق لبعض من لا يستحق، ولا ضير؛ فالمحاكمات كما الأحكام الدنيوية يعتريها الهجس والنقص والتحيز والأخطاء، ثم انقلبنا إلى مجتمع رموزه أكثر من أفراده، ونجومه تحجب شموسه، ومتحدثوه يُلجمون صامتيه، وصغاره رقمًا أو قدرًا يتسنمون ذراه، ولا مشكلة كذلك؛ فالمتغيرات التواصلية أتاحت وأباحت، غير أن الخلل هو توهم أدوارٍ جديدةٍ لخاملين جددٍ ظنوا -و»الظن لا يُغني من الحق شيئًا»- أن لهم مهامَّ رياديةً إصلاحيةً فنظَّروا وبعثروا وانتظروا نتائجَ ثرثرتهم فتبعثروا، وليتهم ربَعوا على أنفسهم فكفَوها وكفُّوها.
(4)
**من مفارقات الوسائط الرقمية أن بعضها أكثر تهذيبًا من بعض، ولو أُحصيتْ مفردات الشتم للوحظ التفاوت النسبي الذي لا يُعرف مردُّه إلا أن يتصدى باحثون لاستقراء عيّناتٍ ممثِّلة قد تقود لاستنتاج الأسباب والتوصية بما قد يسهم في علاج ظاهرة «التطاول» التي آذت مَن حقُّهم التقدير، والاختلاف معهم أو عنهم لا يُجيز تخطيَّ حدود الأدب والذوق والخلق الجميل، كما أن ترك من شاء ليقول ما يشاء كيفما يشاء سيُخرج جيلا نائيًا عن قيم التعامل بالحسنى، وبلغ أكثر جيلنا ومن سبقنا من الكبر عتيّا ولم تتلوث قواميسهم اللفظية «نطقًا وكتابةً» بمثل المفردات التي تنوء بها مواقع الإنترنت ويأسى برؤيتها من لديه معاييرُ صارمةٌ للغة الخطاب والكتاب.
(5)
** أهم قوانين الحياة لا يحملها محامٍ أو يحكم بها قاضٍ أو يسندها قرار، بل يكتبها الضمير وتعززها التربية وتحاكمها الذات اليقظة التي تحاسب صاحبها اليوم قبل أن يُحاسب غدا.
(6)
** مات وظلّ، وبقي واضمحلّ.