عبدالعزيز السماري
تعرضت الأردن الشقيق لاضطربات اقتصادية واجتماعية كادت أن تزيد من مستويات التوتر في المنطقة، وكان تدخل بعض دول الخليج بدعوة من المملكة لمساعدتها في الخروج من الأزمة كافياً ربما لمنع تدهور الأوضاع، لكن الدرس المستفاد من هذه الأزمة القصيرة أن القوة الاقتصادية أصبحت بالفعل العامل والقوة الأهم في مرحلة بناء الدول، وقد تسبق تأسيس القوى الأخرى كالعسكرية أو السياسية، والدول الأقوى استقراراً ونفوذاً في هذا العصر هم الأقوى اقتصاداً..
القوة الاقتصادية تعني على وجه التحديد تلك القدرة على مقاومة الفوضى أو سياسة لوي الذراع أو إملاءات النفوذ الخارجي، ومنع تدخل الآخرين في شؤون البلاد الداخلية، ومن فرض شروطهم على سياسة الدولة، وقبل ذلك زيادة مستويات الشعور بالأمن داخلياً، من خلال توفير فرص العمل والانتاجية بين المواطنين، وبالتالي خفض مستويات التوتر أو الميل نحو الفوضى.
قد تبني بعض الدول قوة عسكرية ضخمة لكن بدون قدرات اقتصادية مسبقة، وبالتالي تتحول إلى خطر على استقرار البلاد، فما حدث في العراق في زمن البعث العربي كان مثالاً على ذلك، فقد تحولت نسبة عالية من الشباب إلى الجيش، وكانت نتيجة ذلك أن سقط الاقتصاد بعد ذلك، وحدثت التحولات الكبرى في البلاد.
أسس رموز الفكر الاقتصادي في القرن السابع عشر الميلادي لحقيقة ثابتة أن من يحكم البحار يحكم اقتصاد العالم،، ومن يحكم ثروات العالم يحكم العالم كله. بعد نهاية الحرب الباردة، كان واضحاً أن الجغرافيا الاقتصادية حلت في محل الجغرافيا السياسية، وأن القوة الاقتصادية ستصبح مفتاحاً إلى النجاح في عالم السياسة..
أخذ المراقبون السياسيون زمناً طويلاً لمناقشة أيهما أكثر أهمية: القوة الاقتصادية أو العسكرية، فالماركسيون كانوا ينظرون إلى الاقتصاد باعتباره الأساس الذي تقوم عليه القوة، والمؤسسات المالية بوصفها مجرد بنية فوقية، وهو الافتراض الذي شاركهم فيه لاحقاً الليبراليون في القرن التاسع عشر، والذين تصوروا أيضاً أن الاعتماد المتبادل المتزايد في التجارة والتمويل من شأنه أن يحول الحرب إلى وسيلة عفا عليها الزمن.
كان مفهوم القوة لدى القوتين الأميريكية والسوفيتية طيلة الفترة التي عرفت اصطلاحاً بالحرب الباردة يعود الى امتلاك القوة العسكرية وأسلحة الدمار الشامل، لكن عصر الثورة المعلوماتيه أثبتت عكس ذلك، فقد أصبح القوى الاقتصادية المرتبطة بثورة المعلومات والتكنولوجيا المتغير الأساس في تحديد ورسم هياكل القوة في النظام الدولي المعاصر، وبالتالي في إنتاج الأنماط الجديدة من العلاقات والتفاعلات السياسية والاقتصادية والعسكرية والقيمية، والتي أيضاً تختلف عن الأنماط السابقة في الأخلاق والسلوك ودرجة الارتباط وكثافة التفاعل.
لذلك لا يمكن أن يكون للاستقرار أمراً واقعاً ومؤثراً إذا اختلت موازين الاقتصاد في بلد ما، وهو ما يجب أن تعيه الدول العربية في هذا العصر، فارتفاع معدلات المصالح الاقتصادية بينهم، والاستثمار في الموارد البشرية واستغلال الثروات الطبيعية هو سبيل نجاة مجتمعاتهم في هذا العصر من كارثة الفوضى..
كذلك لا يمكن لقوة عسكرية ضخمة، أو قبضة أمنية حديدية أن تكون الحل لفرض واقع الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة بدون تعزيز وتأسيس للقدرات الاقتصادية الوطنية، وخفض لمستويات البطالة، ورفع لمعدلات الدخل، وهو ما يجب أن تدركه الحكومات قبل هبوب آخر لعواصف الخريف في المنطقة العربية..