د. فوزية البكر
منذ أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله أمره الملكي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة في 27 سبتمبر 2017 ونحن والعالم لا نتوقف عن ضرب أخماس بأسداس حول هذا العالم الغامض الذي يسمي امرأة سعودية وكيف ستقود سيارتها خاصة في المدن الكبيرة المكتظة وها هي أيام قليلة تفصلنا عن الموعد التاريخي الذي سينهي مرحلة مشهودة من مطالب المرأة السعودية تمتعنا فيها دائماً بدعم القيادة وتطمينها بأن الوعد قادم وها هو فعلاً يحدث حيث بدأت النساء في شتي أنحاء المملكة وبتنظيم كبير يحسب للمرور السعودي الذي أشادت النساء بإجراءاته المنظمة التي لمسنها عند بدء استخراج الرخص في 20 من رمضان الحالي حيث سنبدأ بعدها كنساء فعلاً بالتمتع بتحقيق الوعد المنتظر لعشرات السنوات وسنتمكن أخيراً من قيادة سياراتنا في اليوم التاريخي المنتظر وهو 10-10-1439 الموافق 24 يونيو 2018.
هل يمكن أن أصدق؟ كيف تحول الحلم إلى حقيقة في عهد الملك سلمان وولي عهده الأمين الذي قلب أحلامنا إلى حقائق نعيشها ونكاد لا نصدقها في كافة جوانب حياتنا. شكراً لملكنا ولولي عهده الأمير محمد بن سلمان ولرجاله المخلصين في دولتنا وشكراً لكل الدعم الذي لمسناه من نساء ورجال هذا البلد، أدام الله علينا نعمه وأمنه واستقراره.
لكن الحكاية الحقيقية تبدأ هنا: مع كل التحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والشخصية المرتقبة لقرار القيادة التاريخي: كل امرأة اليوم تسأل نفسها: هل سأتمكن من القيادة الآمنة في مدينة متخمة بمشاريعها وإصلاحاتها كمدينة الرياض؟ هل سيتقبل الزوج والابن وابن العم قيادتي ملثمة «منقبة» كاشفة الوجه؟ ماذا سأفعل لو تعطلت سيارتي بعد الساعة العاشرة مساء؟ هل توجد الشركات الآمنة التي يمكن أن اعتمد عليها؟ هل أفهم في القليل القليل من المبادئ الأساسية لمحرك السيارة وأجزائها؟ كيف سأتحمل تكلفة الوقود وشركات التأمين وكافة الخدمات التابعة لاستخدامات السيارة مثل قطع الغيار والمواقف ومدارس تعليم القيادة وتأجيرها وبيعها الخ. عالم متخم بالمغامرات التي قد تكون أحياناً (ثقيلة بل وربما خطرة) على المرأة والآخرين من حولها وهو ما نتمنى ألا يحدث.
كيف سيتغير الرفيق الرجل بوجود المرأة المحتم في الفضاء العام؟ وكيف سيغير ذلك شبكة علاقات الأسرة الداخلية وواجبات أفراد الأسرة وما يتبع ذلك من تغيرات قيمية واقتصادية واجتماعية ربما علينا اليوم فتح ملفاتها ومناقشتها قبل أن تهطل علينا من شباك القيادة؟
حسب الهيئة العامة للإحصاء قبل أشهر: تنفق الأسر السعودية ما قيمته 25 مليار ريال كرواتب وخدمات للسائقين الذين يقارب عددهم مليون ونصف المليون وسيسهل قرار القيادة تصريف نسبة من هؤلاء، وصرف النقود في الداخل كما سيمكن المرأة من الحصول على مزيد من الفرص التعليمية والتدريبية والمهنية التي ستمكنها من التمتع بكافة الفرص المتاحة لشقيقها الرجل وهو ما تصبو له القيادة العليا من خلال برامجها المكثفة لتمكين المرأة السعودية التي نشهدها اليوم في كافة المجالات.
يبقى أن الرسالة التي يجب أن توجه اليوم هو للمرأة نفسها: أن نكون بحجم المسؤولية الملقاة على عواتقنا ورغم أن الاحصاءات في كل الدول تشير إلى أن المرأة أكثر حرصاً وأقل في نسبة الحوادث لكن لنتذكر أيضاً أن النساء في بلدان أخرى لم يعانين من غياب كلي لفكرة قيادة السيارة ورأين أمهاتهن وجاراتهن وصديقاتهن يقدن فتجذرت الفكرة التاريخية للقيادة الطبيعية عبر تراكم تدريجي في ذاكرتهن الجمعية وذاكرة من حولهن وهو ما لا نملكه هنا لذا علينا أن نقدم دروسنا للجيل القادم من بناتنا ومن حولنا من الذكور بحكمة أجيال نساء العالم ممن سبقننا لقيادة السيارة.
المسؤولية الشخصية تجاه الذات والاجتماعية تجاه المجتمع والثقافية تجاه الرجل المرغم (ربما) على التعامل مع أوضاع قد لا يقرها أو لم يعتد عليها كبيرة وخطيرة ولذا فعلينا نساء هذا الوطن بما جبلنا عليه من مسؤولية وتحمل وقدرة فذة على اختراق المستحيل أن نقول للعالم ولمن حولنا: سنقود قيادة آمنة مسؤولة تحفظنا ومن حولنا من أخطار أنفسنا وأخطار من يجهل أصول القيادة الصحيحة من الرجال والنساء وما أكثرهم في شوارع المملكة.
ألف مبروك لكل امرأة سعودية ستمسك بالمقود أو تعرف أنها تستطيع أن تفعل ذلك متى أتاحت لها الظروف ذلك ولنحتفل بأمان بأننا وأخيراً دخلنا بوابة التاريخ الطبيعي مثل باقي نساء العالم.