لا يختلف اثنان أن من يحدد مستوى الفرد هو الحافز، والحافز يختلف بحسب جودة المعنى المرتبط به، والمشاعر التي انصبغت به.
يدخل اللاعب أرض اللعب، تتناوشه عدد من المشاعر، تتراوح في الغالب بين الخوف، الرغبة، والفخر.
مبرر مشاعر «الخوف» حاضرة؛ فتاريخ تجربة اللاعب منذ ولوجه أرض الملعب، تستدعي وتضاعف مشاعر الخوف. فضلاً عن الخوف من تكرار تجربة الخوف نفسه! فهناك الخوف من الهجوم والنقد والرفض والطرد.... والنتيجة إنما هي تكرار لكل ما يزيد صوت الخوف، وما تخاف منه، علواً وضجيجاً.
أما المستوى الأعلى من الخوف في طبيعته وتأثيره، إذ يعد المحرك للإنسان في مختلف نشاطاته: فهو دافع «الرغبة «؛ إذ الرغبة مثيرة للشهية لاتصالها الوثيق بتلبية الحاجات الأولية والنفسية للإنسان؛ فهناك وعودٌ بمكافآت مالية ضخمة، وسجل تاريخي مشرف، وعقود مع أندية عالمية...و لكن في الغالب تضعف حافزية اللاعب إن أسيء استغلال الرغبة كورقة ضغط وإذلال.
أما «الفخر» فهو مستوى شعوري يتفوق على سابقيه، في قوة طاقته، كما أنه يتميز عنهما بأن من يحس به يشعر بأحاسيس إيجابية جاذبة، بعيدة عن نقاط الضعف التي تدور رحى النفس معها بين قطبي الخوف والرغبة. إلا أن الفخر محدود بتوفر أدواته كالاستهلال بأنشودة وطنية، وجمهور حاشد يردد أهازيج حماسية، وحضور رموز وشخصيات رفيعة المستوى.... ولذا فمن عيوبه أن صاحبه يعتمد في قوة حركته على عوامل خارجية، ومن ثم فهو غير محصن، ومعرض للسقوط المدوي!.
«الغضب» هو أحد أقوى المشاعر العارضة التي قد تنتج تغييراً مفاجئاً وغير محسوب في أرض الملعب؛ فضياع الفرص المتتالية، وأخطاء غير مفهومة من لاعبين، قد تحول طاقة غضبية لأحدهم إلى كتلة نارية تستقر كهدف حاسم في مرمى الخصم.
من الملاحظ في الحوافز الشعورية السابقة أنها تتسم بالآتي: وقتية -محدودة- تعتمد على عوامل خارجية - غير آمنة أي قد تفضي لتبعات معاكسة، فضلاً عن كونها قد تخلق جوا مشحونا بالإسقاطات والصراعات والفشل، والأهم من ذلك كله أنها قد لا تسبغ على سمت صاحبها الرياضي سوى شعور المتعة والإثارة، يحس به كل من رآه، ولكن لا يرقى لذلك الشعور العظيم وهو الشعور بالحب، والتبجيل، والإلهام.
إذاً ما الحافز الشعوري الجوهري الذي ينبغي للاعب أن يقفز إليه، والذي يتصف بالثبات والديمومة وكذلك الشعور الدائم بالأمن باعتبار أن الدعم ينبعث من الداخل، فضلاً عن الثقة اليقينية بالنتائج، والأهم حب الجماهير ونيل ولائهم وثقتهم؟
إن ربط اللعبة - حتى لو كانت مجرد لعبة على كل حال - فإن ربطها بمبادئ وقيم تتصل برسالتك في الحياة يضفي لها بُعداً عميقاً، وجوهراً نبيلاً، ومعنى خالداً وتناغماً ملحوظاً.
هذه ليست سفسطة كلامية، أو فلسفة تجريدية، أظن أنها معادلة واقعية تستمد واقعيتها من البعد الحياتي الروحي المتجذر في العمق الإنساني، وكذلك الاتجاه الفطري المتأصل في النفس البشرية؛ فطبيعة النفس البشرية، متعطشة لتجاوز حدود القدرة العامة للبشر بمعاينة بطولات، وخلق نماذج تشعرنا بالتفوق والمتعة.
و هذا لا يتحقق إلا من خلال ربط القلب بالقوة الإلهية المطلقة، وكذلك الإيمان الجوهري بالمبادئ السماوية والقيم العالمية.
بداية اعترف لنفسك بصدق بأن موهبتك ليست إنجازاً فردياً، إنما هي منة ربانية ونعمة إلهية قد خصك بها، وأنها تستحق منك الامتنان ومنح بركتها للبشرية عامة، وبتربية نفسك الجموح على أن تتجاوز أهدافك الأنانية، وتصًعد فوق أحلامك الصغيرة، وتخترق إمكانياتك الجسدية المحدودة، هذا المستوى المتقدم من الإيمان الرصين يمد إنتاجك بالقوة والخلود، ويطبع تحركاتك بالهدوء الداخلي المدروس، وفوق ذلك يجعلك بمنأى من أن تكون ضحية لهجمات الصحفيين الأشراس، كما أنه يوقد فتيل الإلهام والشغف في حسك، لتنافس نفسُك نفسَك، وتتفوق أناك العليا على أناك السفلى، لتكون حينها مهيأ لتغمر الجمهور كله وبمختلف أطيافه بعاطفة الحب والقبول والرضا. حينئذ، أنت مستعد لترسم الجمال في سماء الإبداع والإنجاز الذي يحبس العالم أنفاسه بمجرد ما أن ترفع قدمك استعداداً لركلة! وينعكس ذلك ليس على أرض الملعب، فحسب بل على كافة تفاصيل حياتك.
وهذه دروس تنسحب على كل مشهد إنساني!