د. محمد بن عبدالله آل عبداللطيف
لا أحد يشكك في جدية رؤية 2030م، والجميع يعلِّق الأمل عليها، وأمامنا تجارب الدول التي نجحت في تحقيق رؤاها وطموحاتها مثل سنغافورة، وماليزيا، وأخيراً رواندا في أفريقيا. والأخيرة تعد من أسرع دول أفريقيا من حيث النمو الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، وقريبًا قد تتجاوز معظم دول أفريقيا بما فيها جنوب أفريقيا من حيث النمو والاستقرار؛ لو نظرنا لهذه الدول لوجدنا أنها حققت ما وصلت بالاهتمام بالتعليم بالدرجة الأولى. فالتعليم هو أساس التطور البشري الذي يقود لتطور القطاعات الأخرى.
وقد وضع الجميع ثقتهم في وزير التعليم الذي كانت له رؤية مميزة في التعليم : أهميته، وأهمية تطويره، وسبل التخلص من معوقاته، إلا أنه وبعد مرور فترة لا بأس بها لم يلمس الناس التغير المأمول في قطاع التعليم، سواءً العام منه أو الجامعي. والملاحظ هو ازدياد عدد المستشارين في الوزارة، وتزايد الأنشطة غير المؤثرة الأخرى كحفلات التكريم والندوات وغيرها، ولا تطور جذري أو تغيير ملموس على مستوى التعليم.
أما على مستوى التعليم الجامعي، فالعاملون فيه يلاحظون تراجع مستواه وغلبة الجوانب البيروقراطية على الجوانب التعليمية : رواتب متدنية، أنظمة متقادمة تعامل الأستاذ الجامعي كموظف خدمة مدنية وتقاعده في قمة عطائه وتأتي بأستاذ متقاعد عوضًا عنه. خطط دراسية قديمة لا زالت تعتمد على نظام التخصصات القديم، تراكم الطلاب في المحاضرات وغير ذلك.
أما على المستوى الرياضي، وفي نظري أنه مهم وقد لا يقل أهمية بكثير عن التعليم، فهناك نشاط محموم وقرارات متتالية وإنفاق سخي للنهوض بهذا القطاع. نسمع عن زيادة كبيرة في أعداد اللاعبين الأجانب ليصل لأكثر من نصف الفريق، ثمانية لاعبين لكل فريق، وجميعهم يكلفون ملايين الدولارات، وهذا سيتبعه حتمًا زيادة في تضخم رواتب اللاعبين المحليين، ومدربين على أعلى طراز تتكفل بهم هيئة الرياضة، وإنشاء قناة رياضية تستقطب أفضل المذيعين وتغريهم برواتب مجزية. ولا شك أن الرياضة قطاع مهم والنهوض بها أمر مطلوب، ولكن نتمنى ألا يقتصر التطوير على كرة القدم فقط بل ويشمل جميع القطاعات الرياضة لكافة المواطنين : ملاعب في الأحياء، أندية رياضية، مضامير ركض ومشي الخ. فالرياضة تحسن صحة المواطن، وتساعد على زيادة تحصيله العلمي، وقديمًا قيل : العقل السليم في الجسم السليم.
ونتمنى أن يرتفع التنسيق بين الوزارات الخدمية : التعليم والصحة وهيئة الرياضة، ليكون جهدها منسق متكامل لتحسين صحة وتعليم المواطن السعودي. فالرياضة مثلاً مرتبطة بالتعليم بشكل كبير ليس فقط على المستوى البدني بل والعقلي أيضاً. وقد شاهدت فيديو لحراس مرمى سعوديين يتدربون في ألمانيا، وعرضت هيئة الرياضة فيديو لهم وهم يلاحقون كرة على شاشة كمبيوتر، وكان ذلك محل دهشة الجميع. إلا أن المتابعين لبعض العلوم الإدراكية يعرفون أن هذه العلوم دخلت مجال الرياضة من زاويتين : الأولى، التدريب على زيادة التوافق العقلي البدني؛ الثانية، وتتعلق بكرة القدم أيضاً، هي ما سمي «الميرور نيرون»، أي النيرون الانعكاسي، وتتعلق بنشاط في عقل اللاعب يدور حول توقع حركة عقل اللاعب المقابل (ما يفكر فيه)، وبالتالي توقع حركته أو اتجاهه والتصرف على ضوء ذلك إن هجومًا أو دفاعًا. وقد اكتشف هذا النيرون في إيطاليا وتمت الاستفادة منه في مجال كرة القدم ومجالات الرياضة التنافسية الأخرى، وهو ربما ما شاهدناه على الكمبيوتر الألماني.
مفهوم التعليم تغير جذريًا، خاصة الجامعي منه، واتخذ أسلوب التخصصات المتداخلة، فالعلوم والتقنيات تداخلت إلى حد كبير، منها مثلاً تداخل العلوم الإدراكية النفسية وعلوم الحاسب لتطوير الذكاء الصناعي، وتداخل علوم الفسيولوجيا والحاسب لتطوير علوم الروبوت، وغيرها مجالات كثيرة. فالعلوم الحديثة متداخلة إلى حد كبير، والجامعات العالمية، خاصة الكبيرة منها نهجت هذا النهج. وتطبيق مفهوم التخصصات المتداخلة بشكل مدروس سيسهم في خفض تكلفة التعليم الجامعي وربما التعليم العام بشكل كبير جدًا، ويسهم في وقف الهدر في كثير من التخصصات.
والتداخل أيضاً يشمل المستوى العملي التنفيذي للوزارات، ويحتم رفع مستوى التنسيق بين كافة الجهات المعنية بالتنمية: صحة تعليم، رياضة، تخطيط مدن الخ. ففي ذلك خفض كبير في الإنفاق العام، والقضاء على الازدواجية، وتقليص مساحة الهدر.
وفي الختام فلا بد من التأكيد على أن التعليم هو الحلقة الرابطة بين جميع الأنشطة التنموية الأخرى بما فيها الرياضة.