عمر إبراهيم الرشيد
ليس بمقدور أي قوة مهما بلغت القضاء على مجموعة متعاضدة متحدة الهدف، أكانت هذه القوة دولة أو دولاً، فرداً أو منظمة ونحوها، والحديث ينطبق على المجموعة المستهدفة. شكلت خلوة العزم بين المملكة ودولة الامارات الشقيقة تجسيداً لحلم شعوب الخليج بأن ترى بعض أهداف مجلس التعاون تبدأ بالتحقق، تمهيداً لبلورة الاتحاد الذي قامت عليه فكرة المجلس ونادت به المملكة قبل سنوات . وإن كانت دول المجلس قد عايشت وماتزال تواجه تهديدات أمنية وسياسية إقليمية ودولية، بل ومن دولة عضو في المجلس مع شديد الأسف، إلا أنها وبقيادة المملكة إسلاميا وعربيا ومكانة المملكة السياسية والاقتصادية على المستوى الدولي كذلك، أقول استطاعت هذه الدول ولله الحمد والمنة تحييد هذه الأخطار واجتيازها لتصبح أقوى سياسيا وأمنيا وبشريا، مع استثناءات يعرفها القارئ ولا داعي لشرحها، لأن الأمل والحلم باقيان لتعود قطر إلى البيت الخليجي والعربي، وتنخرط عمان بوتيرة أقوى وأشمل مع دول المجلس في مسيرتها.
إن مايميز خلوة العزم بين المملكة والإمارات في رأيي أنها انطلقت بعيداً عن التنظير وأجواء المؤتمرات، على هيئة ورش عمل تستهدف البدء من حيث انتهى الطرف الآخر والبناء عليه وتنسيق الإجراءات وتوحيد الأنظمة ما امكن، وذلك لتسهيل العمل والمشاريع المشتركة للحصول على منافع مشتركة أكبر وأقوى سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهي الأهداف التي قام على أساسها مجلس التعاون عام 1981م. وحقيقة فإن الإعلان عن انطلاق تجسيد الأهداف التي عملت عليها خلوة العزم وفي هذا الشهر الفضيل، أتت بلسما وشعلة توقد الهمم من جديد ونداء مدوياً بأن مجلس التعاون مقبل على وثبة كبرى بإذن الله تعالى، لتتوسع خلوة العزم هذه فتشمل باقي دول المجلس رويداً رويداً وماذلك على الله بعزيز، فالنوايا الطيبة موجودة مهما حصل من تعثرات أو محاولات تخريب من البعض، ويبقى التنسيق والعمل المشترك على أرض الواقع هو المحرك كما حصل في هذه الخلوة المتحضرة . إن دول الاتحاد الأوروبي لم تصل إلى وحدتها الاقتصادية والسياسية في غضون سنوات، بل بدأت عملها لخلق اتحادها منذ 1952م فلم يتبلور وينضج في شكله الحالي إلا في أواخر التسعينيات الميلادية.
خلوة العزم درس حضاري وتنموي جسد فكرة أن العمل المشترك للوصول إلى الاتحاد يمكن تحقيقه ولو عن طريق إدارات خدمية وتنموية تمس المواطن مباشرة، لتتوسع تدريجياً فتصل إلى المشاريع الكبرى الاقتصادية والبشرية والعسكرية كما حصل أخيرا، يتوجها التوافق والعمل السياسي المشترك لخدمة القضايا الوطنية والإقليمية، وفق الله قيادتي البلدين و(المحمدين) وتقبل صيامكم.