د.سالم الكتبي
العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ضاربة بجذورها في عمق التاريخ، وبالتالي فهي علاقات تمتلك مقومات هائلة تعزز قوتها ورسوخها، ومن ثم يأتي التخطيط الإستراتيجي المدروس لوضع خارطة طريق تستثمر هذه المقومات وتعمل على تطويرها بمنزلة نقلة نوعية في الاتجاه الصحيح.
«العزم» هو ما يجمع إرادة البلدين والقيادتين والشعبين، فهناك عزم مشترك وإرادة متوحدة لتوطيد العلاقات الأخوية الوثيقة، ومأسستها بحيث يتم توظيف مجمل جوانب القوة والتميز والتنافسية في اقتصاد البلدين لمصلحة علاقات تكاملية تصب في مصلحة الشعبين والبلدين وتعزز قدراتهما الشاملة وتدفع قدماً خططهما ورؤاهما التنموية الإستراتيجية.
في هذا الإطار يمكن فهم معطيات «إستراتيجية العزم» التي تم إطلاقها مؤخراً خلال اجتماع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية الشقيقة.
خطوات محسوبة على درب التكامل بدأت بإنشاء مجلس التنسيق السعودي - الإماراتي ضمن اتفاقية بين السعودية والإمارات في مايو 2016، بهدف التشاور والتنسيق في الأمور والموضوعات ذات الاهتمام المشترك في المجالات كافة. ومن ثم فإن الإعلان عن «إستراتيجية العزم» يتوج مرحلة من الدراسات الدقيقة للفرص والإمكانات والقدرات المشتركة بما يجعل من هذه الإستراتيجية نقلة نوعية تاريخية في علاقات البلدين، حيث تتطلب المرحلة المقبلة للتنمية في كلا البلدين جهوداً جبارة لمواصلة بناء اقتصاد تنافسي قائم على تنويع مصادر الدخل وصولاً إلى اقتصاد مرحلة ما بعد النفط.
الإمارات تمتلك في هذا الإطار رؤية واضحة بدأت منذ تأسيس الدولة، بشكل مرحلي، وأثمرت عن خفض مساهمة النفط في الاقتصاد الوطني من نحو 90% خلال فترة السبعينيات، إلى 30% حالياً، وتنخفض إلى 20% بحلول 2021، وتصل إلى الرهان الأهم بوصول مشاركة النفط إلى مستوى «صفر%» بحلول عام 2045 بإذن الله، حيث تخطط الدولة للاحتفال بتصدير آخر برميل نفط بحسب ما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي.
السعودية أيضاً تمضي على نهج تنموي طموح جداً من خلال «رؤية المملكة 2030»، التي تبهر العالم بتنوعها وشمولها وأهدافها التي تعد بنقل المملكة إلى مصاف القوى الاقتصادية الكبرى، وشمولية هذه الأهداف في مجالات التنمية المختلفة والبدء بتحقيقها عبر مسارات وقرارات وسياسات مدروسة بعناية تؤتي ثمارًا يبشر بكل خير، ويؤكد صواب الرؤية وجدية التنفيذ ورغبة المملكة الشقيقة، قيادة وشعباً، في بناء مستقبل أفضل يعود بكل خير على شعوب المنطقة جميعها.
المؤكد أن قراءة وفهم المؤشرات التي يتمتع بها اقتصاد البلدين ينبئ بأن هناك طفرة هائلة ستحدث بالتكامل بين هذين الاقتصادين العملاقين، فالإمارات قوة اقتصادية صاعدة في مجالات الصناعة والاستثمار والتقنية الحديثة والتجارة والسياحة والثقافة، بشهادة التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية المعتبرة، فبنهاية عام 2017، توج أداء تنافسية الإمارات بالعديد من الإنجازات، أهمها تبوؤ الدولة المركز الأول عالمياً في أكثر من 50 محوراً ومؤشراً فرعياً عالمياً، كما احتلت الإمارات مركزاً متقدماً ضمن أفضل 10 دول عالمياً في خمسة من محاور التقرير العشرة، كما أضحت الدولة مركزاً إقليمياً للتجارة والخدمات، وباتت وجهة عالمية فاخرة ومستدامة للأعمال والاستثمار، وصناعة المعرفة المرتكزة على الابتكار.
على الجانب الآخر، أطلقت المملكة مشروع «نيوم» الذي يشمل قطاعات استثمارية متخصصة تشكل مستقبل الحضارة الإنسانية، وهي الطاقة والمياه، والتقنيات الحيوية، والغذاء، والعلوم التقنية والرقمية، والتصنيع المتطور، والترفيه، من خلال استثمارات تقدر بنحو 500 مليار دولار لبناء مشروعات عالمية على ساحل البحر الأحمر الذي تمر من خلاله نحو 10% من حركة التجارة العالمية.
الاجتماع الذي تم خلاله تدشين «إستراتيجية العزم» عكس حماسة جديدة لبناء المستقبل على أسس أكثر قوة ومتانة، اعتماداً على قوة الإرادة والإيمان بالمصير المشترك وعلاقات الأخوة التاريخية التي تجمع قيادتي البلدين وشعبيهما.
إن النظرة الواعية لما يحيط بالدولتين وشعوب مجلس التعاون جميعها من تحديات وأطماع وتهديدات إستراتيجية قد أسهمت في بلورة بلورة «إستراتيجية العزم»، وإعلانها من أجل تحصين مكتسبات ومصالح شعوبنا والاستفادة مما توفره علاقات الأخوة بين الشعبين من قدرات وموارد وعزم وتصميم على صون وحماية المقدرات وبناء المستقبل اعتماداً على سواعد أبناء البلدين الشقيقين، فالإمارات دائماً ترى السعودية وفق رؤية صاغها القائد المؤسس المغفور له - بإذن الله تعالى - الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - حيث كان يؤكد دائماً «أن قوة السعودية هي قوة لدول الخليج العربي وهي قوة لكل عربي»، وقد انعكس ذلك بوضوح في دور التحالف العربي في اليمن الذي تقوده المملكة العربية السعودية، بمساندة إماراتية قوية، ليؤكد حجم تصميم وإصرار قيادتي البلدين الشقيقين على صون الحق والمبادئ وحماية أرض العرب من أعداء العروبة والمتربصين بشعوبنا.
إن أهمية إستراتيجية العزم تتجلى بوضوح أكثر في ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي - رعاه الله - حين قال «إن إعلان دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية رؤية مشتركة للتكامل بين البلدين تنموياً واقتصادياً وعسكرياً، عبر 44 مشروعاً إستراتيجياً، هو فرصة تاريخية لخلق نموذج تكامل عربي استثنائي.. نموذج يمكن تكراره واستنساخه لتحقيق قفزات تنموية للشعوب». وبالفعل هو نموذج قائد في منطقتنا والعالم، وبالفعل هناك مسيرة جديدة في تاريخ المنطقة، وهناك حراك تنموي واقتصادي هائل وبالغ التأثير يعمل في مواجهة أعداء الحضارة ومثيري الفتن ومشعلي الحروب والصراعات.
السعودية والإمارات هما جناحا الاستقرار وصمام الأمن في المنطقة الخليجية والعربية، وهما رهان المستقبل، وهما الضمانة الراسخة والركيزة الأساسية في مواجهة المخططات المعادية لشعوبنا الخليجية والعربية، والتاريخ دوماً يكتب بعزم الرجال.