لبنى الخميس
في نهاية محادثتي الأولى مع معالي الوزير الراحل أهداني نصيحة غالية.. ولم أكن أعلم حينها أن حياة كبيرة بإنسانياتها.. ملهمة بعطاءاتها.. وزاخرة بإنجازتها.. ستكون مرجعاً لا ينضب من المعاني والعبر.. انتقيت منها أربعة دروس مختلفة أحملها معي كيفما توجهت:
1- شكراً أعدائي
نجومية القصيبي قست عليه فواجه الكثير من النقد اللاذع والاتهامات الجائرة، التي وصل بعضها إلى التشكيك في وطنيته وغيرته على دينه، خصوصاً أنه لم يكن وزيراً عادياً بل كان صاحب مشروع وفكر، هل توقف بعد هذه الاتهامات؟ أبداً.. لم تزده إلا عزيمة وتركيزاً للوصول لهدفه.. أين أعداؤه اليوم؟ لا أحد يذكرهم.. لأن مشروعه لم يكن الانشغال بالرد على الاتهامات ودحض الادعاءات.. فهو من حذر قراءه يوماً قائلاً: ستدرك في وقت متأخر من الحياة، أن معظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية أشغلتك عن حياتك الحقيقية. فاجعل هذا الإدراك مبكراً.
2- لا تساوم على أولوياتك
في مقابلة سابقة مع تركي الدخيل أكد القصيبي أنه بات يعتذر عن الكثير من الالتزامات والدعوات الاجتماعية إذ لم تكن الإنجازات العظيمة يوماً سهلة المنال أو مجانية الثمن، بل غالباً ما تأتي مع فاتورة باهظة وتضحيات عديدة بالوقت والمال والجهد وبملذات الحياة ومتعها.. كان غازي القصيبي غزير الإنتاج رغم انشغاله، وهذا يعني إدارة مذهلة للوقت، وتحديد دقيق للأولويات، لأنه يدرك أن العمر قصير ولو بدا طويلاً.. أسأل نفسك اليوم.. كم بالمئة من وقتك لك وكم بالمئة أنت منغمس في نشاطات اجتماعية غير ضرورية لا تخدم أهدافك أو تضيف شيئاً لمشروع حياتك..
3- القراءة مصنع العظماء
أدين لنصيحة القصيبي الأولى بالكثير مما يخالجني من الشغف حيال القراءة والاطلاع، فالقراءة هي العامل المشترك بين جميع قصص العظماء والمؤثرين ممن أدركوا قيمة هذه العادة الحضارية التي تنهض الأمم والأفراد بفضلها. فمن يقرأ كتب القصيبي التي تناولت العديد من المواضيع ولامست شتى المجالات سوف يدرك بأنه قارئ نهم لمختلف المعارف والعلوم. العظماء يدركون بأن القراءة ليست هواية لملء ساعات الفراغ بل هي مصنع القادة بقدرتها على توسيع المدارك وإثراء الثقافة ودعم اللغة والفصاحة.. التي ستدعم مواقفهم وتثري خطاباتهم وتسند أفكارهم في قادم العمر..
4- كن وطنياً.. بروح عالمية
إحدى أسرار نجاح القصيبي هي عقله وقلبه اللذان يستوعبان علوم وتجارب وشخصيات بصرف النظر عن عرقها وجنسها.. دراسة القصيبي في القاهرة ثم أمريكا وبعدها بريطانيا، واختلاطه خلال عمله الدبلوماسي بالعديد من الوفود من حول العالم.. كلها عوامل منحته كاريزما ساحرة، أثرت شخصية القائد، وصقلت حنكة الدبلوماسي، لكن الأهم أنه ظل وطنياً بروح عالمية.. مؤمن بمقدرات وطنه.. وعزيمة شبابه.. وإرث أمته.
في مثل هذا الشهر قبل 8 أعوام توفي القصيبي.. بعد مسيرة سبعة عقود من المعارك والانتصارات.. والمصاعب والإنجازات.. والقصائد والكلمات، رحل كبيراً، شامخاً بعد أن كسب احترام الأعداء قبل الأصدقاء.. مثبتاً أن حياة المبدع يمكن أن تحتمل أكثر من حياة.. فهو من دعا الشباب في حياته قائلاً «عندما يومئ إليكم الفجر بخجل، سيروا إليه بإصرار، وحين تهمس الحياة في آذانكم برقة، أجيبوها بصوت يصل إلى مسمع الشواهق، وعندما يباغتكم اليأس باغتوه بابتسامة الإيمان، وعندما تضج صدوركم بالأحلام الكبيرة أقسموا... بأن تكونوا أكبر من أحلامكم.