د.عبد الرحمن الحبيب
القمة المرتقبة غداً بين الرئيس الأمريكي ورئيس كوريا الشمالية تعد حدثاً تاريخياً فقد تعلن النهاية الرسمية للحرب الكورية التي ظلت بحالة هدنة منذ 1953 بعد ثلاث سنوات من حرب أهلية طاحنة بين الجزء الشمالي والجنوبي لكوريا، تدَّخل فيها آنذاك الاتحاد السوفييتي والصين دعماً للشمال مقابل الأمم المتحدة بقيادة أمريكا دعماً للجنوب..
عقود مرت بمفاوضات فاشلة، وأجيال رحلت على هدنة معلقة تهدد العالم بكارثة حرب نووية.. وأخيراً سيتفاوض الخصمان، للمرة الأولى، وجهاً لوجه. تذكر المصادر أن جد وأب الرئيس الكوري الشمالي حاولا مراراً عقد اجتماع مع الرؤساء الأمريكان بالفترات المتلاحقة.. «إذا كان كلينتون يستطيع الاجتماع مع رئيس كوريا الجنوبية، فلماذا لا يستطيع الاجتماع معي!؟» هذا ما قاله أب الرئيس الكوري الشمالي الحالي لمجموعة من علماء أمريكان أثناء زيارة له.. كلينتون اقترب من الاجتماع، إنما لم يحصل، وكذلك من بعده بوش وأوباما.. أما الآن فسينجز الرئيس الحالي كيم جونغ أون ما فشل فيه أبوه وجده.. بالنسبة له، فاللقاء بحد ذاته يُعد اعترافاً من أهم دولة بالعالم لأكثر دولة معزولة بالعالم..
بيد أن الأهمية الفعلية لهذه القمة ليست بالإعلان الرسمي لإنهاء الحرب الكورية ولا باللقاء المبهر الذي سيخطف أنظار العالم، بل بإعلان معاهدة سلام وتطبيع العلاقات ونزع السلاح النووي لكوريا الشمالية وتأهيلها للدخول في النظام العالمي، وهو أمر شاق قد يستغرق سنوات. فما المتوقع من القمة؟ قبل الإجابة ينبغي معرفة مطالب كل طرف، وقبلها معرفة إمكاناته لفرض مطالبه.
إمكانات كوريا الشمالية لا تنحصر بامتلاكها الأسلحة النووية، بل أيضاً بتهديدها باستخدامها ضد كوريا الجنوبية واليابان، والعام الماضي أضافت تهديداً آخر بأن قنابلها يمكنها الوصول للعمق الأمريكي، فضلاً عن مؤشرات لسعيها نشر الأسلحة النووية لدول أخرى ومنظمات غير حكومية.. فسلوك كيم المتهور يثير الرعب في الزج بالعالم لحرب نووية. بالمقابل، مارست الإدارة الأمريكية حملة «أقصى قدر من الضغوط» التي أطلقها ترامب للضغط على الاقتصاد الكوري الشمالي المتهالك بشكل أكثر فعالية من السابق، إضافة لتحذيراته من رد عسكري أمريكي بشيء «لم سبق له مثيل في العالم» مما أثار رعب العالم.
أما المطالب، فأمريكا تطالب كوريا الشمالية «بإخلاء كامل للأسلحة النووية، يمكن التحقق منه، ولا يمكن التراجع عنه»، مقابل رفع العقوبات وضمان بقاء النظام، حسبما أوضح ترامب مراراً؛ بينما يطالب كيم بالاعتراف بشرعية نظامه وضمان بقائه، ثم تخفيف العقوبات الاقتصادية يقابله التخلص التدريجي من الأسلحة النووية. المعضلة الرئيسية هي بوجود مسافة شاسعة بين مفاهيم الطرفين خاصة تعريف عبارة «نزع السلاح النووي»؛ مما أحبط جميع الاتفاقات السابقة، وأعاقت الجانبين منذ الجولة الأولى من مفاوضات نزع السلاح النووي في أوائل التسعينيات..
فما الجديد الذي ستنتجه هذه القمة؟ قد يشتمل على حل تقاربي بتنازل ملموس من كوريا الشمالية كتعطيل بعض جوانب برامجها النووية مقابل تنازل أمريكي بشأن جدول زمني لرفع العقوبات وتطبيع العلاقات يتناسب مع التقدم في نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، فضلاً عن ممارسات فعلية تثبت حسن النية بين الطرفين. هذا هو الحد الأدنى للقمة كبداية مفاوضات يكتب لها النجاح..
إنما يصعب التوقع بسبب تقلبات مواقف الطرفين التي شهدتها الأشهر الماضية، فبعد أقصى التهديدات المتبادلة، أعلن ترامب في مارس مفاجأة سارة بأنه سيلتقي كيم.. تلا ذلك تطورات إيجابية من كوريا الشمالية وأعلنت في إبريل التزامها بنزع السلاح النووي، لكنها عادت في مايو للخطب التهديدية، فرد ترامب بإلغاء القمة.. بعدها نقلت كوريا الشمالية أن رئيسها لا يزال مستعداً للقاء الرئيس الأمريكي، فعاد ترامب كاتباً: «نجري محادثات مثمرة للغاية مع كوريا الشمالية حول إعادة القمة».
فهل لدى أمريكا استراتيجية محددة تجاه كوريا الشمالية، أم أن هذه التقلبات هي مجرد نزوات رئيس مزاجي؟ حسبما تساءل فيكتور تشاي وكارتين كيتز بمجلة فورين أفيرز الأمريكية. ويجيبان: «لا يمكن التنبؤ بترامب.. فقد يكون سلوكه «المجنون» الذي يُطلقه هو على نفسه قد لعب دوراً إيجابياً في جلب الكوريين الشماليين إلى الطاولة.. ويمكن لقمة غير مسبوقة تحقيق سلام دائم في آسيا. لكن يمكن أن يحدث خطأ أيضاً: إذا فشلت المفاوضات، والأخطر أن تستنتج الإدارة أن الضربة العسكرية هي السبيل الوحيد للتقدم، مما يزيد كثيراً من فرصة الانزلاق لحرب كارثية».
فما هي الخيارات الأمريكية لو فشلت القمة؟ الخيارات السلمية قليلة، كتعزيز الضغط العالمي الأقصى للعقوبات، وتطوير التفاهمات الإقليمية خاصة بين كوريا الجنوبية واليابان اللتين بينهما توترات تاريخية، وتشكيل حلف دولي لمواجهة كوريا الشمالية. أما إذا فشل ذلك فهناك من يقترح ضربة عسكرية ليست كبيرة لكن مؤلمة بما يكفي لإرغام كيم على بدء عملية نزع السلاح النووي. لكن من يتوقع حينها رد فعل كيم بسلوكه المتهور، أو كما قال ستيف بانون، كبير الاستراتيجيين السابق بإدارة ترامب: «إلى أن يحل شخص جزءاً من المعادلة التي تظهر لي أن عشرة ملايين إنسان في سول لن يموتوا في أول 30 دقيقة.. فلا يوجد حل عسكري هنا، لقد تمكنوا منا».