النفس الأمارة، ما أن نطلق هذا الوصف حتى ينطلق من داخل النفس همهمة متعجرفة، تهمس في أذنيك: أن لا علاقة لك بهذا،! فأنت النبيل/ـة،المجتهد/ـة،الصالح/ـة، الآمر بالمعروف.. بينما النفس الأمارة هي تلك النفس التي تزين لأصحابها الحرام وتزهدهم بالحلال، وقد تكون أكثر تواضعاً ومعرفة بنفسك، فتهم بالتعوذ من النفس الأمارة وقراءة ما ينص عليه المقال، فتعاجلك نفسك: أنت على الحق، ابحث عما يثبتك على الحق، ودع عنك عدا ذلك من الباطل.. وما علم الفريقان أن صاحب الصوت الهامس هو نفسه النفس الأمارة!.
النفس الأمارة هي نفس لا تكف عن الثرثرة الخافتة، والتي أطلق عليها خالق النفس البشرية (الوسوسة) وقد جاء في سورة الناس أن مصدرها جهتان هما: الجن، والناس أي: «أنفسهم». وهي تتسم بالمثابرة، وعدم التوقف، كما أنها ذات بعد خفي، وذات خبرة، بمصادر قوتك، ونقاط ضعفك، هي لصيقة بك، مراقبة لردود أفعالك البيولوجية، والانفعالية والسلوكية، تجاه الأحداث والأشخاص وغيرها وهذا كله يسهل تمكينها منك، وإحكام قبضتها عليك، ولذا استعرت لها وصفاً يليق بها وهو «العدو الحميم» وجرت تسميتها بـ: «EGO.
بعد عرض نفسك بتجرد ونزاهة، على أنواع أحاديث النفس وغوايتها الخفية، ونماذج الفخاخ المضروبة بإحكام حولك، وأساليب المكر والخدع والزيف، التي انطلت عليك زمناً من عمرك القصير، فلن يبقى أمامك إلا اعتبار ما مضى ارتطام يلحقه ارتداد حذر واعي، وليس كسراً يهشمك إلى قطع متناثرة.
إلا أنه جدير بالانتباه إلى متطلب يسبق خوض التقييم الذاتي وممارسة التجربة الكشفية، وهو تهذيب التفكير الانفعالي خاصتك وترشيد التشنج العاطفي المفتعل لديك. ولا عذر لديك طالما أنني سأورد احترازات عقب كل عرض ونمط.
- صاحب الصوت الماكر يسيل لعابه للإثارة والـ action وليضمن أنه قد أطاح بك، وستبقى رهن قبضته زمناً، فإنه سيبرر موقفه المتطرف تجاه الحدث أو الشخص بزعمه درء مخاوف محتملة، ولن يكتفي بذلك طالما أن الإثارة تغذيه ومعها يكبر ويستطير ويتعاظم، فيلجأ إلى تجييش المشاعر المشابهة له في سرعة انفعالها وقوة اندفاعها؛ فهي بمفردها تشعر بالعزلة والضعف، ولذا فهي بحاجة ماسة إلى دعم خارجي تشعر من خلالها بأنها ذات قيمة معتبرة.
- ومما يعزز من مكانة العدو الحميم، -وإن لم يعلن ذلك- فقد تعزز لديه شعور زائف قائم على المبالغة والتهويل في الألقاب والأدوار؛ باعتباره المناضل المغوار، والوطني الحر، والمدافع عن الإنسانية، والمرأة الثائرة وغيره سواء من اللافتات الكبيرة والشعارات البراقة أو حتى بالتهويل من المحاذير المتطرفة والنتائج المرعبة، والمراقب لتاريخ وحال ومآل تلك التجارب والوقائع يجد أنها محض أوهام وأنها لا تعدو قدرها، ورحمة الله تسبق أوهامهم.
- العدو الحميم يعيش على الخوف ويتغذى به، وأقصد به الخوف المرضي من الإساءة والتقصير والفقد والنقد والفقر والمرض والعقوق والوحدة والكهولة والحرمان من الامتيازات والحروب والصراعات وإلخ قائمة طويلة من أنواع المخاوف لا حد لها، ولذا فهو يمارس تصدير هذا الشعور؛ تقرأ في أحاديثهم وحواراتهم ومناقشاتهم ما يحرك الخوف من المجهول ويضاعفه.
- النفس الأمارة تمارس الإسقاط في أغلب تحركاتها، يخرج من بيته أو عمله غاضباً، فيسقط غضبه بتجاوز الإشارة المرورية، أو بالإفصاح عن الخيبة من جيل الطلبة المتمرد، أو بنشر مقاطع أو فيديوهات مخوفة أو محرضة،.. لك أن تكمل.. فالشعور بالغضب أو الإحباط أو اليأس حاضر والعدو الحميم بدوره يستدعي كل الأفكار والمواقف التي تعزز من هذه المشاعر البائسة وتؤكدها. وقد يمارس العدو الحميم معك حيلة جديدة للإبقاء على حالة الغضب لديك بتبريرها بربطها بأسبابها المقنعة والنبيلة، لاسيما إن كانت الأسباب تتعلق بالوحشية والبربرية التي تسود العالم اليوم أو التراجع في المستوى القيمي والأخلاقي لدى فئام الشباب. والغضب إن ساد معظم حياتك، فهو مؤشر لحالة تراجع على المستوى الإيماني والروحي، إلا أنه يغذي العدو الحميم لأنه يشعره بوهم سيطرته على مجريات الأحداث وموافقة الناس له ورضاهم عن صنيعه.
- النفس الأمارة على الرغم من عجرفتها وزهوها واستكبارها بالداخل، إلا أنها يسهل قيادها وخضع جنابها، فتذوب كحبة ملح حين تبوح بعجزها وتصرح بضعفها يحدث ذلك فقط أمام سلطات الرموز: سواء من أصحاب الألقاب العلمية الفخمة أو تجاه قرارات السلطات الآمرة، وهذا يكشف عن الهشاشة التي تسكن النفوس التي سمحت للعدو الحميم بقيادتها زمناً.
- النفس الأمارة أو «العدو الحميم» تختلط عليها النوايا، لأنها أول من كذبت وصدقت الكذبة، فيزعم أنه مدافع عن وطنيته أو ليبراليته أو دينه، ولو أنه أصغى لقهقهات نفسه المخادعة، لبانت له الحقيقة المغيبة في داخل دهاليز نفسه المظلمة، إذ لم يكن ثمة ما يستحق أن يدافع عنه سوى نفسه، سمعته، موضوع شهادته، سبب مركزيته وشهرته، بين أتباعه وجمهوره، وهذا يعكس هشاشة وقصور في الداخل لأن ما يدافع عنه في الحقيقة هي نقاط قوته ومصادر سلطته.
يتبع،،،