يستغرب البعض حينما يرى الزخم الإعلامي، والاهتمام بتصريحات المسؤولين وإيضاحهم مواقف دولهم، بخصوص الاتفاق النووي أو اتفاقية لوزان (نسبة إلى المدينة السويسرية التي وقعت فيها الاتفاقية)، والتي أبرمتها إيران مع الدول الكبرى 5+1 في يوليو 2015. فكان من الممكن أن يعتبر هذا التاريخ بمثابة لعنة على المنطقة برمتها لو لم يتم تصحيحه من قبل الرئيس الأمريكي ترامب، الذي وصف هذه الاتفاقية (بالكارثية)، فقرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي لم يكن مفاجئاً، فقد كان وعدًا انتخابيًا له منذ تسليمة مقاليد السلطة، فهو يرى عدم التزام النظام الإيراني بروح الاتفاق، وذلك على خلفية اتهامها بعدم التعاون في ما يتعلق بالملف النووي وإمكانية استكمال برنامجها في المستقبل، وتطوير برامج الصواريخ الباليستية، والسلوك الإقليمي المزعزع للاستقرار والداعم لانتشار الإرهاب. بعكس الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة أوباما التي كانت ترى أنها استطاعت أن تبدد المخاوف من المشروع الإيراني، وأن توقف الأطماع الإيرانية بامتلاك السلاح النووي. فالأوروبيون أو الشركات الأوروبية بالتحديد هي المتضرر الأكبر من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق. وذلك على لسان الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بعدما أكدت أن الاتفاق النووي مع إيران هو «أحد الإنجازات الكبيرة للدبلوماسية الدولية»، معبرة عن أسفها للانسحاب الأمريكي من الاتفاق. فالعقلية الأوروبية برغماتية، فهم لديهم الكثير من المصالح الاقتصادية مع إيران التي لا يريدون خسارتها في حالة فشل الاتفاق النووي. ولكن في النهاية سوف تخضع الدول الأوروبية لمطالب الرئيس الأمريكي ترامب، لأن فرنسا وبريطانيا ببساطة حليفان مهمان للولايات المتحدة الأمريكية، وهما اللذان شاركا في الضربة الأخيرة في سوريا. وكذلك صرح المرشد الإيراني علي خامنئي عقب إعلان ترامب، بأننا نريد ضمانات من الدول الأوروبية في حالة إصرارهم على المضي قدمًا في الاتفاقية، فالإيرانيون يدركون أن الدول الأوروبية لا تملك قرارًا منفردًا عن الولايات المتحدة.
وقد رحب بانسحاب الولايات المتحدة دول الإقليم وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين، ذلك نظرًا لحالة العداء الذي يكنه النظام الإيراني لدول جواره، والتي انعكست على سياساتها بعد الاتفاق النووي عام 2015، فالمراقب لتطورات أوضاع المنطقة، يجد هناك دعماً للميليشيات المحسوبة على النظام الإيراني في الدول العربية، وأكثرهم وضوح دعمهم لميليشيا الحوثي في اليمن ومده بالصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار في تطور نوعي للتسليح، ليستهدف بها أراضي المملكة بخرق واضح وصريح للقرارات الأممية. فببساطة، النظام الإيراني لديه مشروع يسعى لتحقيقه والاتفاق النووي الموقع في عام 2015 ما هو إلا قنبلة موقوتة، فبعد الاتفاق رفع الحظر الاقتصادي عن النظام الإيراني، وتدفقت الأموال لديهم ولكن لم تستغله في إصلاح الأوضاع الداخلية ومعالجة المشاكل المستفحلة في الداخل الإيراني من فقر وبطالة ومشكلة المياه والخ. بل انتقلت تلك الأموال في السنوات الثلاث الماضية لدعم الميليشيات المختلفة التي تتبع لها، وتمددها بريًا في سوريا وإقامة العديد من القواعد العسكرية، ومد الحوثيين بالمزيد من الأموال والأسلحة والخبراء العسكريين، ناهيك عن الدعم اللا محدود للحليف الاستراتيجي حزب الله في لبنان. فهذا ما فعلته إيران !! فعندما تحجم، وتُستأنف ضدها العقوبات، سوف يعم السلام للمنطقة، وحتى لا أكون متفائلًا أكثر، سوف يهدأ الإقليم قليلًا من التأجيج الإيراني المستمر، والذي يهدف إلى زعزعة الأمن لتصبح إيران الدولة رقم واحد في المنطقة وتسيطر على الشرق الأوسط كله.
أخيراً : يشهد النظام الدولي والإقليمي إعادة تشكيل تحالفات وتكتلات جديدة، ومنطقتنا حساسة ومهمة في الخارطة الدولية، فجاء الوقت ليُقال لإيران كفى بالعبث بأمن دول الجوار، والتخلي عن الأفكار التوسعية والدعم اللا محدود للإرهاب والإرهابيين في العالم.