د.ثريا العريض
في الأسبوع الماضي بدأ تسلّم عدد من المواطنات السعوديات -من بينهن بعض زميلاتي وصديقاتي- رخص قيادة السيارة. تناقلت الخبر وسائل الإعلام الغربية ضمن اهتمامها المتصاعد بمتابعة كل ما يأتي تحت مبادرات التحول في المملكة لتشيد بها أو تشجبها حسب موقفها المسبق منا. وتناولته طبعاً وسائل الإعلام الرسمية المحلية والعربية عبر القنوات التقليدية, ووسائل الاتصال الإلكتروني في تويتر والفيس بوك والإنستجرام.
مجتمعياًَ سارع البعض للاحتفاء بهذا الحدث وتهنئة المواطنات على تحقيق حلم طالما طالبن به؛ وواصل البعض الاعتراض جدياً, أو عبر السخرية بنكات أو رسومات وفيديوهات هازئة تبالغ في رسم ما يتوقعون من الكوارث المرورية. والرفض يأتي غالباً تحت مسميات وهمية تخفي الأسماء.
أعتقد أن وصم قيادة المرأة بأنها ستربك الأوضاع, أو بأن نتائجها ستكون سلبية, هو استمرار للنظرة المهينة التي ترسخ الأنثى في دور المفعول به, وترفضها وتجرمها في دور الفاعل.
ويأتي الرفض بكل أنواع التبريرات الهشة, من تلك التي تتظاهر بالعلمية كإعلان التخوف من فقدها قدرة الإنجاب, إلى تلك التي ترسمها عاجزة عن تطبيق مهارات التحكم في السيارة.
ببعد نظر مشكور وحسن تخطيط, احتاطت الجهات المسؤولة لاحتمال إن تتمادى هذه النظرة المتحيزة فتنحدر إلى استفزاز مقصود لتثبت أن الأنثى لا تستحق تصريحاً بحرية الحركة في الحيز العام حتى لو اجتازت فحص التدريب المقنن في كل العالم المتحضر. هيأت مراكز منتقاة لتدريب السيدات على السياقة, ونظمت حملة توعية بمتطلبات السياقة الآمنة, وأعلنت مستجدات نظام المرور والضوابط التي ستحمي وتعين النساء أن يقدن سياراتهن بأمان. سيكون هناك ضابطات أمن ومواقف مخصصة وورش تصليح السيارات عند الحاجة. ويبقى أن مسؤولية المرأة هي نفس مسؤولية الرجل عن السياقة بأمان ملتزمين بنظام المرور بكل حذافيره.
النظرة الاختزالية للأنثى ليست في الحقيقة «خصوصية» كما يدعي البعض, ولا هي مقصورة علينا كموقع جغرافي أو انتماء ديني, بل سادت عبر ثقافات التاريخ وحقبه في كل القارات الخمس؛ لهم فيها مآرب جسدية بحتة جعلت مواصفات الحس تلغي أهمية عقلها ومهاراتها ومؤهلاتها الأخرى عدا ما يتعلق بتلك المآرب. وعمت أعرافها في منطقتنا مع فكر الحر ملك والتملك, وتصاعدت مؤخراً مع فكر الطفرة والصحوة الذي لم يترك للمرأة الواعية موقعاً سوى التململ والغضب أو الخضوع للتشيؤ كأداة للإرضاء ليس لها أن تشاء.
الواقع أن ديننا منحنا فرصة للسمو بأفكارنا وتصرفاتنا عن الغريزة المجردة وتعديل النظرة الجاهلية الحسية البحتة للمرأة. ولكن بعض «المجتمع» الذي استمرأ أعرافه المتحيزة مازال يتلكأ. وما المجتمع إلا مجموع أفراد وفئات تتقبل وتتبنى تصرفات معينة تسميها ثقافتها لمبررات مؤقتة خاصة بها -أو كما تعارفنا محليا «خصوصية» خاصة بنا- وتشمل مستويات من السمو أو الدنو من الحيوانية. حتى حين يبادر صانع القرار باتخاذ موقف وسن قوانين جديدة وتقتنع النخبة الواعية بتطبيقها لتعديل الوضع, تقاوم فئة المتلكئين بمسوغات عشوائية نشر المتقبلات المستجدة, وتعيق تفعيلها.
تهنئتي لصانع القرار على حزمه وحسمه لقضية قيادة المرأة وحضورها في الحيز العام.