أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: مما أوجبه ربنا (سبحانه وتعالى) في شرعه المطهر: أن نحسن الظن بكل واحد من أهل القبلة؛ ولا حزم إلا في أن نتخذ ربنا حسيبا إن أخلف من أحسنا الظن به؛ وأن نحتاط لأنفسنا ما أمكن في التعامل مع الناس بالتوثيق الشرعي لا بسوء الظن؛ ولقد قال الشيخ أبوحيان الأندلسي رحمه الله تعالى كليمة نفيسة لعلي أتخذها نبراساً في تعاملي مع أهل الصحافة؛ وهي قوله: «أن لا يبحث إلا مع من اجتمعت فيه ثلاث شرائط: الديانة، والفهم، والمزاولة لما يبحث».. وللشيخ توصية هي من أخلاق علمائنا.. إلا أن الإنجليز والله حسيبهم سرقوها منا؛ فقد حدثني معالي الدكتور الخويطر رحمه الله تعالى: أن الإنجليزي لا يفاجؤك بالتخطئة، وإنما يقول إذا أخطأت في اعتقاده: «كلامك وجيه ؛ أو صحيح؛ لكيت وكيت، ولكن...»، ثم ما بعد «لكن» نقد دبلوماسي.. وتوصية أبي حيان رحمه الله تعالى: «أن نلتمس مخرجا لمن ظاهر كلامه الفساد، وأن لا نقدم على تخطئة أحد ببادي الرأي».. ومن نصائح الشيخ ما أهديه للشباب في هذه اللحظة؛ وهي قوله: «أن نتظاهر لكل بما يوافقه مما لا معصية لله تعالى فيه، ولا خرم مروأة، وأن نأخذ أنفسنا باجتناب ما هو قبيح عند الجمهور».
قال أبوعبدالرحمن: إن لكل المسلمين ثقافة مشتركة، وليست ثقافة تسلية؛ ولكنها ثقافة اعتبار وامتثال مثل قراءة أخبار خالق الحقيقة عن أحوال آخر الزمان قراءة تفقه وفهم ومقارنة بالواقع، لأنه علم من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأميته وأمية قومه، وأنه لا يملك وسائل علمية لمعرفة ما سيكون بعد قرون؛ فنزداد إيماناً بأن انبهار مكتشف جزء من الحقيقة من البشر: مسبوق بإخبار خالق الحقيقة والبشر؛ فلا نقع ضحية الإرهاب العلمي، ولا نكون من شرار الخلق آخر الزمان على غرة، بل نكون من الطائفة المنصورة، ويزداد إيماننا بالله وبكتبه ورسالاته.. ومن أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يتقارب الزمان، وينقص العلم».. رواه البخاري، وقال: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، وتزوى الأرض».. رواه الطبراني في المعجم الكبير؛ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فبوسائل المواصلات الحديثة تقارب الزمان، وطويت الأرض.. وأما نقص العلم فأنتم ترون من الشبيبة من يعرف (نزار قباني) و(إحسان عبدالقدوس) و(برنارد شو) و(شكسبير) ما لا يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وحملة العلم الشرعي كالزهري والبخاري وأحمد، وبعضهم لا يكاد يختم القرآن في عشر سنين مرة واحدة!!؛ وما كان هذا مألوفاً في القرون المفضّلة؛ وربما تلمظ بمضغ يحسبه أفكاراً كأوشاب من البنيوية أو الظاهراتية.. إلخ.. إلخ؛ وهو لا يعرف شيئاً من أصول الفقه، أو علم الخلاف والبحث.. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرحال (بالحاء المهملة) ينزلون على أبواب المساجد: نساؤهم كاسيات عاريات، ورؤوسهم كأسنمة البخت...» الحديث؛ وهذا غير مألوف سابقا؛ وأما اليوم فالناس يذهبون إلى صلاة الجمعة على شبيه الرحل؛ وهو السيارات؛ وأنا واحد منهم؛ والشكوى إلى الله؛ لأننا لا نملك غير ذلك؛ لإدراك الصلاة في المسجد، ولا سيما بعد ظاهرة التفحيط المهلكة.
قال أبوعبدالرحمن: ومن أخبار آخر الزمان ما هو خبر عن فعل كوني سيقع ولا يتعلق بإيقاعه حكم شرعي يلزم المكلّفين؛ لأنه مما لم يوقعوه وقد نهوا عنه، أو أوقعوه وقد أمروا به.. ومنها ما هو خبر عن فعل كوني سيقع على غير المراد الشرعي، ويكون البشر مسؤولين عنه لأنه وقع وفق قدرتهم وحريتهم وبفعلهم؛ فزخرفة المساجد، ومباهاة أهل الكتاب بتشييدها خبر عن حدث كوني وقع، والخلق مآخذون عليه؛ لأنهم نهوا عن التشييد والزخرفة فأبوا الامتثال.. وإلى لقاء في السبت القادم إن شاء الله تعالى, والله المستعان.