قد يتعجب الكثير أن غالبية عباقرة الفن والأدب والعلوم الطبيعية وبعض ممن حازوا على جائزة نوبل كانوا يعانون في طفولتهم من خلل جيني في المخ يجعلهم مصابون بمرض التوحد، وهناك الكثير من العلماء والفلاسفة والفنانين التشكيلين والكتاب وعباقرة يذكرهم التاريخ أنهم كانوا يعانون من أعراض التوحد في طفولتهم.. ومن هؤلاء إسحاق نيوتن واينشتاين وبيتهوفن وفان كوخ وتوماس اديسون ومايكل انغلوا ولا ننسى أغنى رجل في العالم بيل جيتس كانت به بعض الصفات التوحدية وكان يعاني من صعوبة التأقلم الاجتماعي، ولذلك لم يقف مرض التوحد حاجزاً ومانعاً في نجاح هؤلاء العباقرة في مجالاتهم المختلفة..!! والتوحد يقصد به وطبقاً لمنظمة الصحة العالمية» اضطراباً نمائياً يظهر في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، ويؤدي بالتالي إلى عجز في التحصيل اللغوي واللعب والتواصل الاجتماعي».. وفي هذا السياق تشير «الدراسات الطبية» إلى أن الانفصال التوحدي هو إعاقة نمائية تظهر في الثلاث السنوات الأولى من العمر، ناتج عن اضطراب عصبي يؤثر على السلوك العام للطفل.. وهو اضطراب مربك يحدث في كل المجتمعات البشرية لدى الأسر في مختلف الطبقات الاجتماعية، ووفقاً لمركز التحكم والوقاية من الأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية، ازدادت نسبة الإصابة بهذا المرض بنحو عشرة أضعاف مما كانت عليه قبل أكثر من 25 عاماً، وكما تشير الإحصائيات إلى أنه يصيب طفلاً من بين كل 200 حول العالم، وهو على هذا النحو يتفوق على مرض السكري..!! ومعروف أن بعض الأطفال المصابين بالتوحد يعانون (اجتماعياً).. من صعوبة في تكوين العلاقات الاجتماعية، وقصور في المهارات والتفاعل الاجتماعي المتبادل.. لذلك وطبقاً لعلم النفس الاجتماعي فإن هذه الفئة من الأطفال المصابة بهذا المرض لا تكترث بمشاعر وأحاسيس الآخرين وتحب اللعب على انعزال وبانفراد داخل عالم الاغتراب الاجتماعي، كما أن طفل التوحد لا يقلّد الآخرين من أقرانه، ويتضح أن لديه قصوراً في عملية التقليد ومحاكاة الأطفال الآخرين من هم في عمره!!، بالإضافة إلى وجود صعوبات في المهارات اللغوية وممارسة الأنشطة الترفيهية، ولكن ورغم هذه المشكلات الفكرية والاجتماعية التي يعاني منها طفل التوحد في سنواته الأولى.. إلا أن فرص علاجه قابلة للشفاء -بإذن الله- متى ما اكتشف المرض مبكراً وتمّ تشخيصه في العيادات المهنية المتخصصة، ووجد الدعم والعناية والاهتماملكافي (أسريا وطبياً)، كما يحدث في المجتمعات المتقدمة، ففي أمريكا - مثالاً - ومع ارتفاع معدلات ظهور مرض التوحد الذي يصيب الأطفال في سن مبكرة تم إنشاء مراكز متخصصة في تشخيص التوحد بحيث يتم الكشف على الطفل التوحدي مبكراً من قبل فريق متعدد التخصصات الحيوية.. يشمل الطبيب النفسي للأطفال واختصاصي التحاليل الطبية، والعلاج الطبي، وأخصائي في الأمراض الوراثية وأخصائي التخاطب الاجتماعي وأخصائي العلاج الوظيفي أو اللغوي الذي يتماشى مع عمر الطفل من الناحية اللغوية، ويقيّم حالة الطفل التوحدي من الناحية التعليمية ويضع له برنامجاً تعليمياً مناسباً له، كما يضم المركز طبيب أطفال أعصاب، بالإضافة إلى متخصصين في إجراء الاختبارات القياسية التي تغطي عدة جوانب مثل تنمية المهارات الاجتماعية وبناء السلوك الإيجابي ومهارات التواصل والتخاطب مع الآخرين، بالإضافة إلى الاختبارات السريرية لسلوكيات الطفل.. وهي اختبارات هامة في عملية التشخيص.. مثل فحوصات السمع والتشخيص المبكر للمخ والغدة الدرقية.. وقد أثبتت الأبحاث المتخصصة أن التشخيص والتحليل والكشف الإكلينيكي المبكر يعطي نتائج إيجابية، ويزيد بالتالي من فرص العلاج والشفاء من هذا المرض - بإذن الله - وتوسيع دائرة التفاعل الاجتماعي له، مع عدم الإغفال بدور الأسرة في هذا الاتجاه الوظيفي.. ووعيها في كيفية احتواء طفلها المتوحد ودعمه عاطفياً ونفسياً واجتماعياً، وهي لا شك مكملة لمراحل العلاج مع المركز الذي يقوم بالزيارة المنزلية الطبية ومتابعة وتقييم الحالة من خلال الاختبارات الطبية والنفسية والاجتماعية لسلوك وتفاعل الطفل وعلاقته مع الآخرين ومعدلات نموه... إلخ، وروعة هذه المراكز الطبية المتخصصة أنها مدعومة (بمعاهد أبحاث التوحد).. تقدم لها إحصائيات وأرقاماً دقيقة بعدد الحالات المصابة، ودراسة ومعرفة أخر التطورات الطبية والعلاجية!!.. في الوقت الذي يظهر فيه هذا الداء العالمي الذي يُطلق عليه (مرض الذاتوية).. داخل نسيجنا الاجتماعي دون أن نستشعر بخطورته وآثاره الصحية والنفسية والاجتماعية على بنائنا المجتمعي ووظائفه، خصوصاً بعدما أظهرت الإحصائيات ومؤشرات المرض ارتفاع معدلاته عالمياً، الأمر الذي دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2007م إلى تخصيص «يوم عالمي لمرض التوحد».. الذي يُصادف اليوم الثاني من شهر أبريل من كل عام، ويهدف إلى التعرف على مؤشرات المرض ونشر التوعية امجتمعية، وهو يوم يخصص لمرض التوحد وهمومه.. الذي يراه المتخصصون أنه مرض العصر للأطفال، ودعوا في هذا السياق إلى التأكيد على أهمية وجود دعم حكومي لعلاجه.. ولذلك ينبغي إنشاء مركز وطني لعلاج أمراض التوحد مدعوم بالتخصصات الطبية المتكاملة مع وجود معهد يُعنى بالأبحاث الطبية والدراسات الإحصائية يضمن مكافحة هذا المرض التوحدي في بدايته.. وبطرق علاجية قائمة على أسس علمية حديثة.. مع أهمية عقد الندوات الطبية التنويرية وورش العمل المهنية لرفع سقف الوعي الأسري وكيفية التعامل والاهتمام بطفل التوحد.
وأخيراً، أقول لبعض الأمهات اللاتي يشتكين من وجود طفل توحدي داخل بيوتهن: لا داعي للقلق والخوف واليأس.. فالأطفال التوحديون لديهم قدرات خارقة ومعدل الذكاء أعلى من الطبيعي.. وهذا ثبت (علمياً).. متى ما توفرت لهم البيئة الأسرية الملائمة، والطرق العلاجية المناسبة التي تعيد صياغة وبرمجة وتوازن سلوكياتهم في الحياة الاجتماعية.. وتكتشف بالتالي إبداعهم، وتظهر نبوغهم.. فمن يقرأ تاريخ «عالم الاختراعات والابتكارات».. سيجد أن هناك عباقرة كانوا يشتكون من مرض التوحد في طفولتهم.. وتجاوزوا هذا المرض بعد الاكتشاف المبكر، والاحتضان الأسري.. وبالتالي تفجّرت براكين طاقاتهم الإبداعية والإنتاجية والابتكارية في العلوم الطبيعية.. أمثال زعيم العباقرة في زمانه (ألبرت إينشتاين)، وزعيم المخترعين (توماس أديسون)، وزعيم قوانين الجاذبية الأرضية (إسحاق نيوتن) وغيرهم من عباقرة التوحد!!..