د. مساعد بن سعيد آل بخات
طلب عمّال أحد المحلات التجارية الكبيرة في باريس رفع أجورهم, فرفض صاحب المحل وأصرّ على رأيه بلا مبالاة لمطلبهم, فما كان من عمّاله إلا أن اتفقوا على أن يواصلوا عملهم معه ولكن دون أن يبتسموا للزبائن كردٍ سلبي على صاحب المحل, فأدى ذلك إلى انخفاض دخل المحل في الأسبوع الأول حوالي 60 % عن متوسط دخله في الأسابيع السابقة.
وعندما تتأمل في حال الشركات الخاصة في مجتمعنا على سبيل المثال ستجد بأن موظفيها غالباً ما تعلو الابتسامة محيا وجوههم عند مراجعة شخصٍ ما لهم, ليس بالضرورة بأن هؤلاء الموظفين أجمع يمتلكون مهارة جذب الناس بالابتسامة بل لأن من شروط توظيفهم بأن يستقبلوا العملاء ببشاشة صدر وسحر ابتسامة, لأن العملاء إذا لم يرتاحوا لطريقة تعاملهم فقد يؤدي ذلك إلى انسحابهم من هذه الشركة والذهاب لشركة أخرى, وبالتالي قد يلحق بالشركة الأولى الخسارة.
ولك أن تتخيل لو باشرت عملك في مقرٍ جديد وتغير رئيسك في العمل وعند مقابلتك لرئيسك الجديد, وجدته ذا وجه عبوس, مشدود الجبين, لم تر فمه يتحرك إلا عند السلام عليه, أو عند السؤال فقط, فهل سترتاح للتعامل معه أم لا..؟.. هل ستبقى في هذا المقر الجديد أم ستحاول التغيير لسبب بسيط وهو أن رئيسك غير مريح في العمل من تعابير وجهه, فهو لا يملك بشاشة وجه, ولا ابتسامة ساحرة, ولا ضحكة رقيقة..؟.
إن هذه المشكلة تمتد لتصل إلى منازلنا فنجد زوجاً عبوساً في تعامله مع زوجته وأبنائه وبناته, ولكن تتغير حالته 180 درجة عند مقابلة رفقائه, فتسمع صراخاً من الضحك يصدر منه لدرجة أن الزوجة قد تستغرب وتسأل نفسها, هل يُعقل بأن هذا الضحك وتوزيع الابتسامات يصدرُ من زوجي؟.. هل ابتسامة الزوج محصورة على الرفقاء فقط من غير أهل بيته..؟.. ومن المؤسف بأن تجد أناساً يعتقدون بأن تقطيب الجبين وتجهم الوجه سيزيدهم هيبةً وثقةً بالنفس في تعاملاتهم مع الناس, وكأن لسان حالهم يقول: (كشِرّ في وجه الناس, وستنال ما تريد), وهم بذلك لا يعون بأن الاتصال غير اللفظي له تأثير كبير في التعامل مع الناس إن أردت أن تكسب قلوبهم وتحببهم فيك.
ففي دراسة أجراها العالم النفسي ألبرت مهارابيان من جامعة كاليفورنيا أثبت فيه بأن 93% من عملية الاتصال تكون غير لفظية, ونتائج دراسته كما يلي:
- 55 % من تأثيرك على الناس يعتمد على لغة الجسد (ومنها ابتسامتك).
- 38 % من تأثيرك على الناس يعتمد على الصوت.
- 7 % من تأثيرك على الناس يعتمد على الكلمة المنطوقة.
إن الابتسامة الصادقة النابعة من القلب هي إحدى أسرار الشخصية الجذابة, فهي ترمز للمحبة والمودة, وهي التي أوصانا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث يقول: (تبسُمك في وجه أخيك صدقة). وقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس تبسُماً لأصحابه, فيقول عبدالله بن الحارث بن حزم: (ما رأيت أحداً أكثر تبسُماً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-).
فبما أن محمد -صلى الله عليه وسلم- هو قدوتنا وحبيبنا قد انتهج مبدأ التبسم في وجه الآخرين مع الكبير والصغير, مع الرجل والمرأة, مع المسلم واليهودي, فمن باب أولى أن نقتدي به في ذلك.. لأن طبيعة الإنسان أن ينجذب للأشياء التي تفرح عينه وقلبه, ومنها أن يرى شخصاً يتبسم في وجهه لأن ابتسامته تعمل كمؤثر سحري فيه, تتغلغل في داخله, وتفتح قلبه له, فيشعر بالارتياح بالتعامل معه, في حين تجد بأنه ينفر من الشخص العبوس, لأن عبوسه هذا أدى إلى إحساسه الداخلي بعدم الارتياح للتعامل معه! فالوجه يعبر عما في قلبك من حقائق وأسرار.
ولو قيل لي بأن قانون الجاذبية الأرضية لنيوتن ينص على أن: (الأرض تجذب الأجسام إليها) فما هو قانون جذب الناس من وجهة نظرك..؟.. لقلت: (قانون جذب الناس إليك في ابتسامتك).
حكمة.. يُذكر بأن شواب وهو مدير أحد مصانع الصلب في أمريكا, كان يتقاضى مليون دولار سنوياً, وقد ورد عنه أنه قال: (لقد أكسبتني ابتسامتي مليون دولار).