ياسر صالح البهيجان
ركوب الدراجات الهوائيّة والتجوّل بها في طرقات المدن سلوك حضاري لا تكاد تخلو منه مدينة من مدن العالم المتحضّر، إذ إنها تدمج بين الرياضة والصحة والاستمتاع، كما تعد كذلك إحدى وسائل التنقل لدى بعض الشعوب، خصوصًا في المسافات القريبة، حيث توفر استهلاك الوقود من جانب، وتسهم في تقليل ازدحام المركبات من جانب آخر.
وثمة دول ذات مناخ أكثر قسوة من مناخنا، لكنها لم تقف عائقًا أمام استعمال السكّان للدرجات الهوائيّة نظرًا لتوفّر البنية التحتية الملائمة لاستخدامها، لكثرة الأماكن المظللة بالأشجار، وجودة تخطيط الطرق، ووجود ممرات آمنة ومساحات مخصصة لها، ومواقف تتيح إمكانيّة صفّها دون أن تعطّل حركة السير أو تعيق المارّة.
طرقنا بوضعها الحالي غير مهيأة إطلاقًا لاستعمال الدراجات الهوائيّة، في ظل غياب اللوح الإرشادية، والتخطيط السليم، فضلاً عن ضعف وعي قائدي المركبات بضرورة الالتزام بالسرعات المحددة عند التقاطعات أو أماكن العبور، وهو ما يتطلب من وزارة البلدية الاتجاه فعليّا نحو أنسنة الطرق، بالتنسيق مع إدارة المرور لكي تتكامل الجهود وتثمر في سن قوانين تكفل سلامة جميع من يرتاد الطرقات وليس المركبات فحسب.
من يطالع أعداد المتوفين والمصابين جرّاء الدهس على الطرق يُدرك بأن ثمة خلل يستلزم إعادة النظر في آليّات تخطيط شوارعنا. وما دام الإنسان مهددًا بأن يلقى حتفه عند قطع الطريق فإن ذلك مؤشر واضح على أن الطرقات لم تراع البُعد الإنساني أثناء تأسيسها.
لا يمكن بناء ثقافة مجتمعيّة تعزز من الوعي بأهميّة استعمال الدراجات الهوائيّة إن ظل الاهتمام بقائدي الدراجات أمرًا هامشيًا وغير مأخوذ بالاعتبار أثناء تخطيط الطرق، وأدرك بأن إعادة التخطيط تتطلب جهدًا مضاعفًا من البلديّات ولكنها مؤهلة لتنفيذ ذلك، وأجزم بأن القيادة الحكيمة تولي سلامة السكّان أولوية قصوى في مشاريعها التطويرية، لذا لن تتردد في دعم تأهيل الشوارع لتماثل النماذج العالميّة.
كما يُنتظر من وزارة التعليم وهيئة الرياضة التعاون المشترك لبناء ثقافة استخدام الدراجات عبر تحفيز شريحة الشباب داخل المؤسسات التعليمية، وتنظيم الفعاليات والأنشطة التي تعزز من مشاركة المجتمع، إضافة إلى تغيير النظرة السائدة التي تقصر استعمال الدراجات على الأطفال والمراهقين.
نريد صناعة أجيال جديدة ذات ثقافة إيجابيّة منفتحة على السلوكيّات الراقية والحضارية، ومتحررة من الأفكار البالية التي تعيق نهضة المجتمع، ولا يمكن أن نصل إلى تلك النقطة المتطورة دون عمل متكامل يبدأ بالتخطيط وينتقل إلى التثقيف والتوعية ولا يقف عند التنظيم والإشراف.