مها محمد الشريف
لا بد من الإقرار بأن المؤرِّخين الذين سجّلوا تاريخ أوروبا في الأزمات السياسية ذكروا أنها أكثر شتاتاً ولن تتكون وحدتها بدون النفوذ الأمريكي ما لم يكن هناك مرحلة جديدة من مواجهة الحقائق والمواقف التي تفتقد إلى وضوح الرؤية، والاتحاد الأوروبي يلتزم بالاتفاق النووي الإيراني رغم القرار الأمريكي بالانسحاب، وفي موقع آخر زعماء بريطانيا وفرنسا وألمانيا يجمعون على حماية الاتفاق النووي مع إيران.
أمور كثيرة تستند إلى الزعامة الأمريكية وأوروبا تقلّل من دورها التحكيمي الحاسم، ولهذا، ينبغي أن تتجاوز المرحلة الأولى بإصرار وهي المرحلة التي تنجح فيها المساعي رغم إستراتيجية المصالح الأوروبية في إيران والالتزام بمقتضياتها، لاسيما بعد تقلب الظروف وتحولها من واقع حضاري وتاريخي للإنسانية إلى مظاهر نزاع وصراع وانتشار موسع للعنف أوجدته طهران بالمنطقة، وذلك يقلّص الاستقرار ويغذي حراك التاريخ.
إن التكييف الذي يجري حالياً في حالة عودة الشريك الطبيعي بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وكأنه يحمل المصباح السحري وسط كآبة الأحداث وبرفقته المستشارة الألمانية ميركل قبل أن يحسما موقفهما من الاتفاق النووي الإيراني؟ وقد شكّل هذا الأمر تسميات عديدة لموضوع واحد، وصفحة صامتة لم يكتب فيها سوى نقطة انطلاق نحو سياسة لإدراك موقف الدول الثلاثة، فالكل يعتقد أن تبادل الأدوار حالة فاصلة مثيرة للتساؤلات، فهل تستمر أوروبا على موقفها من واشنطن تجاه الاتفاق النووي مع إيران وتعتبره ضد إرادتها ومصالحها؟
لا سيما أن ما صرح به ماكرون: بأن الاتحاد الأوروبي يدعم الاتفاق النووي مع إيران بشكل كامل، و»أنهم ملتزمون بمواصلة العمل معاً ومع الولايات المتحدة عن كثب فيما يتعلّق بكيفية معالجة مجموعة التحديات التي تشكلها إيران بما فيها القضايا التي قد يشملها أي اتفاق جديد» حسب ما جاء في البيان.
وحيث تبدو الخطوات الأوروبية ضمن نظامها القومي والطبقي قادرة على صناعة قوة وهمية تقارع بها الولايات المتحدة لتعطيل العقوبات الأميركية أو تنجح في الحد من تداعياتها، أو تتبع مخططاً جيوستراتيجيا في ظل تعدد القوانين الأميركية المطبّقة خارج الحدود.
من هنا، واصل السياسيون البحث في تمسك ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بالاتفاق النووي الذي أبرم في 2015 بين الدول الكبرى الست وعطفوا جهودهم على جهود طهران، وقد جاء هذا نتيجة التأثير الاقتصادي الكبير الذي أحدثه انسحاب واشنطن على الشركات الأوروبية الكبرى في إيران وخسائرها بمليارات الدولارات.
وإذا ما نظرنا في الضغوط المباشرة من الولايات المتحدة على موقف الأوربيين الرافض لقرار ترامب ويريدون استمرار الاتفاق مع قليل من التعديلات، ولكن إصرار واشنطن يقدِّم رسالة واحدة هي إعطاء مهلة للشركات الأجنبية لوقف نشاطها وتعاملها في إيران.
ليس هناك اختيار آخر يمكن أن يُقدم للمعضلة القائمة حلولاً تُذكر، لأن أوروبا ضعيفة بدون واشنطن وغير قادرة على حسم ملفاتها السياسية بدون قيادة أمريكية خصوصاً في ملف إيران، والأكثر أهمية هو الحاجة إلى موقف موحّد واضح وغير ملتبس لإيقاف نشاط إيران.