د. عبدالرحمن الشلاش
لقي تعيين معالي الشيخ الدكتور عبداللطيف آل الشيخ وزيرًا للشؤون الإسلامية أصداء واسعة نظراً لخبرته المشهودة في نشر التسامح، وحرصه على نشر الفكر المعتدل عندما كان رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ومحاربته لكل متطرف. كثيرون أبدوا ارتياحًا لقدوم معاليه لوزارة تحتاج لعمل كبير عدا فئات من أصحاب التوجهات الفكرية الإخوانية المعادية لمنابر التسامح والوحدة الوطنية.
أعرف امتلاك معاليه لفكر منفتح ونبذ لأي تطرف أو تحزب، وحرص على صناعة منابر تدعو للوحدة والتسامح ونشر منهج الاعتدال، وهو بذلك مقبل على مرحلة من العمل المضنى تختلف عن كل ما سبق، فالمرحلة المقبلة تحتاج لأدوات بشرية مختلفة تمتلك قدرات عالية وتتماهى مع فكر الوزير الإصلاحي، وتحمل هم الوطن والمواطنين وتدعو لبناء مجتمع مسلم وطني مترابط ومتماسك يقف بكل غيرة أمام كل من يريدون الشر لهذا الوطن.
أصعب ملف في نظري هو ملف الخطاب المنبري والدعوي الذي مر عبر سنواته الماضية بمراحل متقلبة أدت إلى نتائج كانت عواقبها وخيمة نظراً لما تضمنه هذا الخطاب إما تصريحًا أو تلميحًا من تأصيل للتطرف وتحريض على الكراهية والعنف والانضمام عنوة لعصابات الإرهاب والقتل والدمار ودعوات لتصنيف وتقسيم المجتمع. ولم يكن هناك قوة دامغة لدعوات هذا الفكر الأممي المأزوم الذي يتناسى بل يتجاوز عمدًا قضايا المجتمع داخل الوطن وهمومه معتبرًا إياها أمورًا هامشية ليدعو لدعم المجاهدين المرابطين في الثغور في خلط عجيب ومقصود بين من يقاتلون لتحرير أوطانهم وجماعات إرهابية من خوارج هذا الزمان . قضايا الناس وما يصلح معاشهم وعلاقاتهم لم تكن تحظى إلا بإلماحات يسيرة . كان خطابًا مشحونًا ومأزومًا لا يعزز تسامح ولا يدعوا لاعتدال ووسطية ولا يدين إرهابياً سفاحًا لأنه من ذات التوجه والمنهج، ولا يوجه للاحتراس من خطورة الانقياد لجماعات التكفير والقتل والعنف وبطرح مخالف لمنهج الإسلام الصحيح.
ولأننا في مرحلة جديدة نأمل أن تكون مختلفة فإنني أطرح أمام معالي الوزير رؤية جديدة لصياغة خطاب ديني وطني وذلك بوضع خطوط عريضة ومسارات متعددة بضوابط ينطلق من خلالها المشايخ والدعاة بحرية لكن داخل إطار محكوم بمصلحة الوطن والمواطنين، وأن يكون الوطن والمصالح العامة فوق أي اعتبارات.
يقوم الخطاب الديني الوطني على ركائز ومنطلقات أولها مبادئ الإسلام السمحة المتمثلة في السلام والتسامح والعفو والحب ونبذ الكراهية والعنف، وتوطيد العلاقات الحميمة بين أبناء المجتمع الواحد وبكافة مذاهبهم وأشكالهم وألوانهم، ومنع تداول أي مفردات بغيضة تؤصل التفرقة بين طوائف المجتمع وفئاته. أما ثانيها فيرتكز على المبادئ الوطنية الراسخة التي تدعو الجميع للعمل المخلص في كافة الاتجاهات لبناء الوطن والنظر إليه على أنه شيء مقدس لا يجوز المساس به، وتأصيل ثقافة حقوق المواطن وواجباته ضمن النظام الذي رسمته الدولة. أما ثالث الركائز والمنطلقات فتتمثل في غرس مبادئ التعامل الحسن مع المخالفين داخليًا وخارجيًا وبما يظهر السماحة دون إفراط ولا تفريط.