د. محمد عبدالله العوين
أخيرا وبعد تطواف نيف على أكثر من خمسين عاما بين جهات حكومية عدة استقلت الثقافة بوزارة خاصة.
يا لها من معاناة وتشتت وتقاسم وتشارك واختلاف في تحمل مسؤولية العمل الثقافي - أحيانا - بين جهات حكومية طوال نصف قرن.
كانت الثقافة كالطفل اليتيم الذي فقد أباه وأمه في وقت واحد بعد ولادته مباشرة، فاحتضنته دور الإيواء وأحسنت له بالصدقة والرعاية من باب الإشفاق والإحسان وطلب الأجر من الله.
وأول دار التجأ إليها الطفل اليتيم هي وزارة المعارف، ثم الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ثم وزارة الثقافة والإعلام؛ ولكنه أحيانا يجد اليد ممدودة له من ملاجئ أخرى كوزارة التعليم العالي أو الحرس الوطني فتغمره السعادة وتمتلئ قسمات وجهه بمشاعر الغبطة والرضا، فخير له أن يجد فزعة من هنا أو هناك حين يكون البيت الذي احتضنه قد وضعه على هامش مشاغله ومسؤولياته الكثيرة، أو ربما نسيه أو تناساه أو لم يمنحه ما يجب أن يوليه من اهتمام.
لقد أسعد القرار الملكي جميع المثقفين والأكاديميين ومحبي المعرفة والاطلاع والحريصين على مكانة المملكة ونهضتها وتقدمها وهم أبناء هذا الوطن الغالي جميعهم، وهي رؤية ملكية واعية وثاقبة ومدركة أهمية العمل الثقافي العميق في تقدم الوطن ونهضته وتحقيقه آمال رؤية 2030م الرائدة التي ستنقلنا إلى دولة كبرى نقف بها مع الصف الأول من دول العالم ذات التأثير القوي في مسار الحضارة الإنسانية الحديثة.
وسأكون صادقا وشفافا في التعبير عن كثير من الخيبة وعدم الرضا والشعور بالإحباط عند كثيرين من المثقفين والكتاب والباحثين وغيرهم من المعنيين بالمعرفة على اختلاف مشاربها من مرحلة طويلة سادها خمول وكسل وتراخ وضعف شديد في العناية بالعمل الثقافي؛ حتى قل إصدار الكتب وضعفت حركة التأليف، وتوارى صوتنا الفكري والثقافي والإبداعي خارج الوطن إلا في مناسبات محدودة انطلقت بجهود خاصة، واختطف الفراغ الذي حدث من عبأه بأنشطة مؤدلجة عن طريق محاضرات وندوات ومخيمات وأشرطة كاسيت ومطويات وكتب ورحلات غيرت توجهات نسبة كبيرة من ثلاثة أجيال من أبنائنا، وجد منظرو وقادة الأدلجة الدينية المسيسة فضاء مفتوحا لم يملأه أحد فملؤوه بما يريدون وما يطمحون إلى تغييره.
وغياب وزارة الثقافة في الزمن الماضي مع وجود نشاط قليل متقطع وغير متصل ولا قائم على منهج من جهات متعددة ساعد على حدوث فوضى التفكير بعد عام 1979م تنامى بعدها خطر فكر الإخوان المسلمين وما ولدته من جماعات متطرفة إلى أن انقلب المجتمع على نفسه بتأثير نشاط تلك الجماعات واستيلائهم على مراكز التأثير والتغيير الفكري. وبإنشاء وزارة مستقلة للثقافة وفق رؤية عمل واضحة لتحقيق أهداف كبيرة تتسامى إلى ما تطمح إليه القيادة الكريمة والمخلصون بالوصول إلى سقف 2030م وبميزانية مالية سخية تحقق الأهداف الطموحة وبقيادة شاب موهوب له تجربة مميزة في التخطيط والإدارة هو سمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود نستطيع أن نملأ الفراغ ونزيد على ذلك أيضا إلى أن يفيض على العالم إبداعا وفكرا وتحضرا باسم «السعودية»..
يتبع