م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. أشعر برغبة في أن أرثي نفسي.. ليس نَفْسُ اليوم بل نفسي السابقة التي كانت لاهية غائبة طائشة.. التي كانت تظن أنها تعرف ذاتها وهي في الحقيقة لا تعرف والمشكلة أنها لا تعرف أنها لا تعرف!.
2. حينما تكتشف متأخراً أنك اليوم غيرك بالأمس.. وأنك اليوم أصبحت تعرف أكثر وأعمق تشعر بالحزن الشديد والأسف العميق والأسى الممتد على ما فات ومضى.. هنا تعي أنك تعيش في مأزق وأنه «إذا فات الفوت لا ينفع الصوت».
3. أريد أن أرثي نفسي على وقت أضعته على توافه.. وأعصاب أتلفتها على سفاسف.. وعلاقات أحرقتها بانفعال أهوج.. وحقوق للآخرين أهدرتها بصلف المغرور الجاهل.. وعلى أحباب آذيتهم بغفلة اللامبالي.. وعلى أصدقاء انقطعت عنهم بحجة الانشغال الذي لا ينتهي.. وأبناء لهيت عنهم بداعي طلبي لكسب ظننته من أجلهم.. ونفسي التي خدعتها وكذبت عليها بمبررات ليس لها معنى ولا قيمة.
4. أريد أن أرثي نفسي على إيهامي لها بأنها دائماً على حق.. وأنها دائماً لها الحق وأنها دائماً تعرف الحق.. وعلى إيهامي لها بأن دخولي كهف الصمت في بيت الزوجية هو عمق في التفكير.. وأن بعدي عن والدي وأسرتي هو سعي لطلب المعالي.. وأن تقصيري في أدائي لواجباتي الاجتماعية انشغال بأمور الحياة والسعي خلف النجاح.
5. أريد أن أبكي نفسي الشبيهة بالصحراء اليباب: قاحلة يابسة.. تجلوها الرياح فلا تثير فيها سوى الغبار.. نفسي التي كانت لا تعرف سوى رذيلة الطرفين: إما لهيب الشمس الحارقة أو زمهرير الصقيع القارص.. لا تعرف فضيلة الوسطية وليس لديها لون رمادي.. بل أبيض يجهر العين فيعميها أو أسود لا أرى فيها سوى الظلام الدامس.
6. أعجب أشد العجب من حالات بدأ يندى لها اليوم جبيني بعد فوات الأوان بعشرين أو ثلاثين سنة ولم أفطن لها في حينه.. وكيف أنني الآن وبعد مضي كل تلك السنين ينتابني الأسى والحياء مما قلت أو فعلت.. بينما رأيت الأمر آنذاك نصراً أو جرأة أو مبادرة وأن كل ما فعلته فيه الحكمة والرأي السديد!.
7. نعم.. لقد استيقظت الآن لكن بعد أن بلغت الستين!.. ويا له من استيقاظ متأخر للأسف.