عروبة المنيف
أصبحت فرحة النساء في وطني فرحتين، فرحة صدور قانون الحماية من التحرش، وسيتبعه بعد أقل من الشهر تطبيق قانون السماح للمرأة بقيادة السيارة، فلكم أن تتخيلوا زفة مواكب النساء وهن حاضنات لمقود سياراتهن، متحصنات بقوانين تصونهن وتجعلهن واثقات من حماية القانون لهن عند تعرضهن لأي أذى وعلى الأخص التحرش الجنسي بكافة أشكاله.
لا يخفى على أحد بأن عملية التحرش ليس من السهل إثباتها وقد صرح مصدر مسؤول بأن التحرش الإلكتروني هو من أكثر أنواع التحرش سهولة في الإثبات مقارنة بغيره، وبصدور قانون التحرش من المتوقع أن تصبح الاحتياطات من قبل المتحرِّشين أكثر احترازاً وعمليات المراوغة والإنكار أكثر سهولة.
إن عملية التبليغ عن المتحرِّش تتطلب تضافر جهود تنظيمية تسبق الإجراءات القانونية والقضائية، فبيئة العمل على سبيل المثال أصبحت في الوقت الحالي تأخذ منحىً طبيعياً فيما يتعلق بعملية الاندماج والاختلاط بين الجنسين، واحتمالية التحرش واردة بالطبع، وهي من الأمور المتوقعة في بيئات العمل ولا يكاد يخلو منها أي مجتمع على وجه الخليقة، لذلك من أجل التيسير على المتحرَّش بهن في التبليغ عن حادثة التحرش في بيئة العمل ينبغي أن يتوافر في كل جهة تنظيمية سواء كانت مؤسسة حكومية أو خاصة، لجان تنظيمية تعمل على متابعة حالات التحرش في بيئة العمل قبل إحالتها إلى القضاء، فالعديد من الحالات من الممكن أن تحل إدارياً من خلال «لجان أخلاقية»، بحيث يكون التأديب إداريا تنظيميا، وتتولى المؤسسة عملية تأديب المتحرش سواء بالإبعاد أو النقل التأديبي أو الفصل أو غيرها من عقوبات داخلية تنظيمية تراها المؤسسة مناسبة للحالة المعروضة، فهناك العديد من النساء في أي تنظيم لا يرغبن في تصعيد الحالة إلى القضاء ويرغبن الستر، ولكن مع رد اعتبارهن من خلال آليات تأديبية تتبناها المؤسسة بحيث تقوم «اللجان الأخلاقية» في التنظيم بمهمة تنفيذها، وعندما تكون هناك رغبة من قبل المتحرّش بها في التصعيد للقضاء، يحترم قرارها وتحال القضية للقضاء للبت بها.
كذلك في مسألة إثبات التحرش، فقد يتطلب الأمر إعادة النظر في أحد عقوبات «قانون الجرائم المعلوماتية»، حيث يمنع تصوير أي شخص بدون إذنه، ومن يقوم بذلك يجرم!، فلو تم التحرش بإحداهن وصورت الشخص المتحرِّش بها بهدف إثبات الواقعة، من سيعاقب هنا؟ المتحرِّش، أم المصورة المتحرَّش بها والتي ارتكبت جريمة معلوماتية يعاقب عليها القانون؟.
تلك الثغرة القانونية ينبغي أن تحسم أيضاً بحيث تؤخذ عملية التصوير كبينة لإثبات واقعة التحرش حتى لو تم تصوير المتحرش بدون علمه.
يعتبر التحرش الجنسي من العمليات التي لا تثبت بسهولة، فهي تبدأ من مرحلة الكشف عن النوايا إلى عملية التحرش الفعلي إلى إثبات فعل التحرش، ما يتطلب شد الهمم والعمل على وضع آليات تنظيمية يتبعها الآليات القانونية القضائية لتطبيق نظام التحرش بما يضمن إنصاف المتحرِّش وأخذ حق المتحرَّش بها، والمرحلة الحالية مهمة جداً لترتيب وضع المؤسسات فيما يتعلق بقضايا التحرش لتجنب الدخول بدهاليز القضايا والمحاكم من خلال وضع الآليات التأديبية الضرورية لحفظ وصيانة حقوق الجميع.