عماد المديفر
لا يختلف اثنان على أن النظام الإيراني أضحى اليوم مهدداً رئيساً للأمن والاستقرار في المنطقة، بدعمه للإرهابيين السنة والشيعة، والميليشيات الطائفية العميلة، واستهداف الدول المحيطة به في إطار مشروعه الخرافي التوسعي الذي يمس مصالحنا الوطنية العليا، عدا عن عمله على امتلاك السلاح النووي، وتطوير منظومة الصواريخ الباليستية، الأمر الذي يحتم علينا أن نتعامل مع هذا المهدد الخطير بكل قوة وحزم، بيد أن لحكومة أردوغان رأي آخر!! إذ ما فتئت تردد أن لإيران «الحق في تطوير برنامجها النووي»، و أن «النووي الإيراني» بزعمها «يخلق حالة من توازن الردع الإسترتيجي الإسلامي للسلاح النووي الإسرائيلي»!! كما ذكر لي ذلك نصاً البرلماني التركي «خليل أوزجان» نائب رئيس العلاقات الخارجية عن حزب العدالة والتنمية في معرض تبريره لاستنكاري الشديد للمواقف والأفعال التركية على الأرض المتناقضة مع ما يبديه مسؤولوها تجاهنا عند لقاءاتنا معهم - ولذلك تفصيل لعلي آتي عليه لاحقاً-.
ومع اتخاذ فخامة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قراره الحاسم بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني المعيب الذي كان لتركيا دور مهم في تحضيره وطبخته مع إدارة أوباما، والمعروف اختصاراً بـ (JCPOA)، وما نتج عن انسحاب الرئيس ترمب من عودة فرض العقوبات الأمريكية في إطار الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في التعامل مع نظام الملالي في طهران، والتي أعلنها وزير الخارجية الأمريكية السيد بومبيو نهاية الشهر الماضي، وأيدتها كل من المملكة والبحرين والإمارات ومصر والأردن وغيرها من الدول العربية والإسلامية المتضررة من السياسات والأعمال الإيرانية العدوانية والإرهابية السافرة في المنطقة، حيث تتلخص هذه الاستراتيجية بالنقاط الثلاث التالية:
1 - إقامة الضغوط والعقوبات المالية المشددة.. وتصاعدها كما لم يسبق له مثيل في التاريخ في حال لم ترتدع طهران.
2 - العمل عن كثب مع وزارة الدفاع والحلفاء في المنطقة للقضاء على أنشطة إيران العدوانية خارج حدودها، والمزعزعة للأمن والاستقرار. سواء أكانت هجمات الفضاء السايبيري (هجمات الانترنت أو الهجمات الإلكترونية) أو من خلال عملائه (البروكسيات) كحزب الله وأفرعه في العالم.
3 - دعم الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للشعب الإيراني للحصول على حقوقه وحرياته وفرص عيشه الكريم، وتقديم ما يمكن لإنقاذهم من الاعتداءات الوحشية السافرة التي يقوم بها نظام الملالي التي تنتهك حقوق الإنسان وكرامته. وتستهدف الاستراتيجية:
1 - البرنامج النووي الإيراني: لا طريق لإيران للوصول إلى السلاح النووي إلى الأبد.
2 - برنامج الصواريخ الباليستية.
3 - القضاء على دعم إيران للإرهاب.
4 - وقف تدخلاتها وأنشطتها العدوانية المزعزعة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
5 - دعم الشعب الإيراني.
وفي ظل تضييق الخناق على نظام الملالي، والتشكك الإيراني من الموقف الأوروبي ونجاعته، والنظر إليه - في حقيقة الأمر- بريبة، حيث لم تعد طهران تعول كثيرا في الوقت الراهن على التعاون الاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي، ولاسيما فيما يتعلق بالعلاقات والمعاملات المصرفية، وما تشهده عملياً من انسحابات مباشرة للعديد من الشركات الأوربية وغيرها خوفاً من العقوبات الأمريكية التي قد تطالها في حال استمرت في التعامل مع نظام عمائم الشر والإرهاب؛ تبرز تركيا كطوق النجاة المعتاد لإنقاذ نظام الملالي، ولتلتف من خلالها مرة أخرى على العقوبات الدولية، ولاسيما وأن حكومة أردوغان أعلنت مراراً رفضها للانسحاب الأمريكي من الاتفاقية، وللإستراتيجية الأمريكية الجديدة، وأنها ستمضي قدماً في علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع طهران، ومعارضتها للعقوبات المفروضة على نظام الملالي، وأنها «لن تشارك فيها» تماماً كما فعلت من قبل إبان عضويتها في مجلس الأمن العام 2010، حيث صوتت حكومة أردوغان إذ ذاك برفض فرض العقوبات الدولية على نظام عمائم الرجعية والظلام.
وإذا ما تناولنا قراءة المشهد بواقعية، ومن خلال مؤشرات العلاقات الثنائية التركية الإيرانية بعيداً عن التصريحات الأردوغانية، وادعاءاته المتكررة بالحرص على أمن دول المنطقة؛ فإن نتيجة قراءة تلك المؤشرات تظهر عكس ذلك تماماً، إذ تعد تركيا الشريك الاقتصادي التقليدي الذي تُعول عليه طهران كثيراً! فبالإضافة إلى التصاعد الطردي في حجم التبادل التجاري البيني، وما وصلت إليه العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا وإيران من توسع كبير في عهد حكم حزب العدالة والتنمية، من مليار دولار -على سبيل المثال- العام 2000م إلى 15 مليار دولار العام 2017م، حتى غدت تركيا في مركز متقدم ومؤثر في الاقتصاد الإيراني، حتى أضحت تركيا رابع أكبر وجهة للصادرات الإيرانية غير النفطية، بالإضافة إلى الاستثمارات التركية الضخمة في الداخل الإيراني، وما تساهم به تركيا بقوة في تهيئة البيئة المناسبة في رفد الاقتصاد الإيراني وإنعاشه من خلال شركاء إقليميين جدد، ومن ذلك مشروعها (مجموعة عملية إسطنبول - قلب آسيا) حيث استخدمت تركيا مظلة «دعم أفغانستان» كغطاء لتمرير تعزيز وخدمة اقتصاد نظام الملالي.
فإن القيادة الإيرانية تنظر إلى تركيا باعتبارها طوق نجاة سبق اختباره فعلاً فترة العقوبات الدولية السابقة، وقبل إبرام الاتفاق النووي الإيراني عام 2015 مع الدول الست. وقد كُشف أخيراً عن دور تركي مؤثر وناجح في خرق العقوبات الدولية السابقة على نظام الملالي، ورفده بمئات الملايين من الدولارات -المغسولة- التي تورطت في غسلها بنوك وشخصيات تركية مرموقة ومقربة من الرئيس التركي نفسه، كما هو الحال مع وزير الاقتصاد التركي السابق محمد ظافر شاغليان، والمدير العام السابق للبنك المركزي التركي سليمان أصلان، بالإضافة إلى اعتراف تاجر الذهب التركي رضا ضراب، وهاكان عطيلة المصرفي التركي الكبير.. وجميع هؤلاء الأشخاص على مقربة مباشرة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ذلك عدا عن تورط تركيا في شراء مكثفات إلكترونية إسرائيلية متقدمة من نوع CAP 180-300 يمكنها المساهمة في إنتاج سلاح نووي -وهي من المواد المحظورة دولياً بموجب قانون مجلس الأمن 2231 لعام 2015- وتمريرها إلى نظام الملالي.
لذا؛ فعلى الرئيس أردوغان ألا يعتقد إذا ما استمر على هذا النهج، أن نقف دونما ردة فعل مناسبة، لكوننا مضطرين للدفاع عن مصالحنا الوطنية العليا، والتي لن نتوانى عن حمايتها بحزم وبأسٍ شديد، ولاسيما وأن هذه التصرفات لوحدها تعد مساساً بها، عدا عن غيرها من التصرفات التي لا يسع المقال لسردها.
إلى اللقاء.