عبدالوهاب الفايز
الأوامر الملكية الأخيرة أكدت استمرار وتعمق مسار التحول الذي عزم الملك سلمان تحقيقة في حقبة بناء الدولة السعودية الرابعة.. الدولة التي بحول الله سوف نحتفل، في رأس القرن، بمرور 400 عاما على قيامها، وماهذا بعزيز إذا استمرت جهودنا جميعا للمحافظة على الأركان الأساسية التي قامت عليها الدولة، وهو ما يفعله الملك سلمان في كل القرارات والخطوات الجريئة والمحسوبة لتحقق الهدف الاسمى، المحافظة على الكيان، والاستمرار في تحديث الدولة عبر العمل المؤسسي المحترف.
في هذا السياق جاء إنشاء مجلس المحميات الملكية برئاسة سمو ولي العهد، فالمشاهد المؤسفة التي أصبحنا نراها في السنوات الماضية للعبث بالطبيعة، وتدمير الشواطئ، وقتل الحيوانات عبثا وعدوانا، وهي مشاهد صادمة ومؤسفة، وتجعلنا مصدر تدمير للطبيعة أمام العالم، وكأننا لم نعان من صور الاٍرهاب التي أعطت الفرصة لمن يضعنا في سياق المدمرين للحضارة الإنسانية. هذه المشاهد جعلتنا نرجو خيرا بأهمية تدخل الحكومة. وفعلا أكدت الحكومة عزمها لحماية الأرض، فجاء إنشاء المحميات الملكية، بمستوى القيادة والإشراف الذي رأيناه، ليؤكد أن المحافظة على البيئة مؤشر على نضج مؤسسة الحكم، ونضج في التجربة الإنسانية وسمو الأخلاق.
نتألم لتدمير البيئة لأن الإسلام منع الجيوش المحاربة في ظروف استثنائية من قطع الأشجار وقتل الحيوانات، ومنع إهدار الماء، ونتألم لأننا في بيئة صحراوية حرجة وقاسية تحتاج التنوع البيئي والإحيائي، فالتكلفة الاقتصادية لتدمير البيئة وتدمير الثروة الحيوانية عالية، وتحرمنا تنمية السياحة البيئية، وتحرمنا تطوير اقتصاديات البادية. لهذه الاعتبارات نتمنى أن نرى دورا نوعيا تقوم به المحميات يعيد للطبيعة هيبتها ومكانتها، ويعيدنا إلى سلوكيات أجدادنا، ويعظم الفائدة الوطنية من حماية البيئة.
أيضا إنشاء وزارة مستقلة للثقافة من ضرورات المحافظة على مكتسبات الدولة. إننا نحتاج المواطن الذي يهتم بالجوانب الإنسانية والروحية، وهذا مهم لمواجهة الطفرة الكبيرة العالمية المنغمسة بالمظاهر المادية. مهم لنا حتى لا نذهب بعيدا في إهمال مهذبات السلوك، والأحاسيس وتنمية الأخلاق والقيم الإنسانية، وقيم المواطنة المشتركة. الآداب والفنون، ومنتجات الفكر والثقافة بشكل عام، هي مستودع التجربة الإنسانية، وهذا يجعلها المنبع الأساسي لتغذية الناس بصور التعايش ومكارم الأخلاق، ونزع حالة الجفاف والتوحش في السلوك. الإنسان الذي لم يتعلم في طفولته احترام زهرة في الأرض، ربما يتحول إلى إنسان يسكنه العنف والقسوة إذا كبر. وهكذا المدى والتتابع في التربية الوطنية لبناء (المواطن الصالح)، فحب الطبيعة.. يقود إلى حب الأدب والفنون والفكر.
المطلوب من الوزارة الجديدة تنمية مؤسسات الآداب والفنون وتمكينها، فالذي يخدم الثقافة هو إنشاء الممكنات المالية المستدامة، وإنشاء المؤسسات العلمية لبناء الموارد البشرية المحترفة، وهنا دور الحكومة. الحكومات لا تستطيع إنتاج الفكر والثقافة. المطلوب منها إيجاد العمل المؤسسي المستدام الذي (يحتوي بذكاء النخبة المفكرة والمبدعة)، وتحويلها لتكون (طاقة إيجابية) دافعة للتطوير والتحديث، وحاملة لقيم وأهداف مؤسسة الحكم، بدل أن تكون في الاتجاه المضاد.
الالتفات لهذه الشريحة القائدة هو الذي نتطلع إليه مع تراجع صناعة النشر، وتأخر مؤسسات الإعلام التقليدية، بالذات الصحافة، التي تخلت عن هذه النخبة، ولَم تعرف كيف تستفيد منها لإنتاج المحتوى المتميز. وأيضا الحكومات تكاد تتخلى عنهم مأخوذة بظاهرة وسائط التواصل الاجتماعي، وفورة المؤثرين السطحيين، تجار الشعبوية!