أمل بنت فهد
في مواقف عدة قد تلاحظ تراجع فرصك، ومن تتابع الأحداث الضاغطة تشعر بأنك تحت ثقل مؤامرة الحظ والظروف، تشعر ببوادر هزيمة في داخلك لا يعلم عنها أحد غيرك، لكن أحوالك تحكي الكثر، رغم تماسكك الظاهري بأنك قوي، ولا تزال بخير.
في معركة تلوح فيها بوادر الهزيمة، ماذا يفعل القائد المتهور، إنه يندفع بأقصى قوته المنهكة صوب حتفه، وحتف جنوده، في انتحار جماعي، كمحاولة أخيرة لاستغلال بقايا الشجاعة، لكن القائد الذكي بمجرد أن يدرك حتمية الهزيمة، فإنه يطلب هدنة، ووقت ليعيد ترتيب صفوفه، ويعيد حساباته، وليس في نيته الانتحار، أو الاستسلام، بل يحتاج وقتاً يلتقط فيه أنفاسه، ويزيل التشويش والتداخل الحاصل بين النتائج والظروف القائمة.
وكذلك الإنسان في معاركه الذاتية، يوجد من يضغط على نفسه المنهكة، ويزحف صوب أي ضوء ولو كان خافتاً، أو مخادعاً، إنه يريد الخلاص، بأي نهاية كانت، المهم أن يغير معالم اللحظة الجاثمة على صدره.
بينما يوجد من يعرف أحوال ذاته، ومثلما يحترم فترات القوة، وإصابة الأهداف، فإنه يحترم فترات الركود، والعثرات المتتالية، لأنه يدرك أن الجريح يحتاج قوة الشفاء لينطلق من جديد، وليس مجرد الضغط على الجرح كافٍ للمشي وإكمال المسيرة، بل هو يدرك جيداً أن الضغط الزائد مميت، إنه يقتل الهمة، ويعرقل الطريق، ويخلط الاتجاهات.
لذا فإنه حين يشعر ببوادر الهزيمة الذاتية، فإنه يتوقف تماماً عن السير، يعرف أنها مرحلة الهدوء والتعافي، مرحلة إعادة صياغة الأهداف، مرحلة غربلة الخطط، مرحلة تفقد الرغبات، والاحتياج، مرحلة الصمت المطبق، مرحلة اللا حركة.
كل ذلك ليسترد عافية الأحلام، ولا أبالغ إن وصفتها بأنها مرحلة التعارف من جديد بينك وبين نفسك، لأنك في كل مرحلة من حياتك تتغير تماماً، وتتغير معك أحلامك وطموحك، ونظرتك للأمور، وإحساسك تجاه كل شيء، فلا أنت نفس الإنسان الذي كان قبل، ولن تكون نفسه مستقبلاً.
لذا تجد أحياناً أن نفس الأمور التي كنت تقوم بها وتضخ فيك النشوة، ما عادت تؤثر بك كما كانت، هل لأنك شبعت! بالطبع لا، بل لأنك تتغير ولا تعترف أو لا تنتبه لهذا التغيير.
تتغير شهيتك تجاه الكثير من الأشياء، وبالتالي يتغير حماسك، وإقبالك عليها يقل، فتجد نفسك معلقاً في مكان ما، لكن لا تشعر بشيء عدا الفراغ، نفسها حياتك، لكنك أنت لم تعد أنت.
إنها مراحل طبيعية، وولادات مستمرة تعيشها، بين ميلاد رغبة، وموت أخرى، فاهدأ، واستجب لجديدك، لكن لا ترغم نفسك على الاستمرار في طريق لا تريده، ولا تشعر به.