د.فوزية أبو خالد
مع التحية لوزير الثقافة
عادة مايشغل بال أي كاتب رأي قضايا الضمير من المعيشي للمصيري ومن الشرر للحرائق ومن البصيص للشموس التي تشغل البلد وأهل البلد بالمسمى الشعبي أوالمواطن والوطن بالمسمى الصحفي والسياسي مؤخرا أو المجتمع والدولة بالمسميات المصطلحية. ولهذا فما أن يحين موعد المقال بالنسبة لكُتاب العمود الأسبوعي إلا وتكون قد تكونت لديه ولديها من هؤلاء الكتاب قائمة بالمواضيع التي تريد حقها في الطرح والتناول.
وقد تزايدت بالطبع وتيرة المواضيع وطالت قائمتها مع الثورة التقنية التي صارمعها لدى الكاتبة والكاتب معين لاينضب من المطالب والطروحات بما أتاحته وسائل التواصل من تماس مباشر بين الكًتاب وبين الناس وبين القضايا ليلمسوها ملمس اليد ويرونها مرأى العين. فلا عذر لكاتب اليوم ألايكتب عما يشغل الناس إلا مايمنعه الرقيب غير أن هذا الأخير لابد أنه اليوم في وضع حرج وقد صار للثقافة مرجعية جديدة يفترض فيها أن تحرر نفسها من وظيفة الرقابة وتحرر المجتمع والقراء والكُتاب من تلك الأداة البائدة التي فقدت صلاحيتها وضرورتها لقمع الكلمة الحرة الأمينة في لحظة تاريخية عالمية لم تعد تستطيع فيها المجتمعات ولا أجهزتها الرسمية أن تعتمد في إدارة الشأن العام على غير الشفافية.
ونظرا لطوووول قائمة المواضيع التي كتبتها كرؤوس أقلام لما يمكن أن يكون مقال اليوم ولمزاحمة بعضها بعضا في الأهمية فإنني سأكتفي بالإشارة إليها كعناوين أوكتغريدات غير عابرة لأنني أنوي العودة إليها في الأسابيع القادمة إن شاء الله وأكتفي بذكرها هنا لأؤكد لنفسي الالتزام بها ومنها التالي:
دمقرطة الثقافة ياوزير الثقافة
لا علم لي ما الذي استدعى إنشاء وزارة جديدة مستقلة هي وزارة الثقافة في هذه اللحظة التي تتجه فيها الكثير من المجتمعات إلى تحريرالثقافة من القبضة الرسمية إلا مايمكن قراءته من مؤشر التحولات المطروحة في إطار رؤية 2030 التي يبدو أن لديها طموحا استثماريا بالمعنى الأدبي والمعنى الصناعي معا في عدد من المجالات. ويظهر أن من أولياتها فيها مجال إشغال الفراغ الاجتماعي والشبابي إن صح التعبير أوملء الفراغ بانشغالات الثقافة والفن كبديل لما كان من حالة الانكفاء والمعازل الأيدولوجية وصرعاتها الخفية والمعلنة. والطموح ألا يكون الانشغال بالثقافة والفن فقط كمستهلكين وإنما كمنتجين أيضا. والواقع أنه قد يكون لنا ولوزارة الثقافة الجديدة كتجربة مستقلة غير مسبوقة في مجتمعنا مايمكن قراءته في تجارب ناجحة في مجال الجمع بين وجود وزارة للثقافة وبين إطلاق أجنحة الثقافة في آفاق منتجة ومجددة. وعلى أهمية عدد من التجارب الدولية في هذا المجال بما فيها التجربة الأمريكية التي أطلقها الرئيس الأمريكي تيدي روزفلت عام 1937م بطرح مشروع لتأسيس وزارة للآداب والفنون والعلوم بما عارضها الكونغرس باعتبار هذه المجالات من المجالات الحيوية لرأس المال الحر وللرأي العام، فإنه قد يفيد التوقف أوعلى الأقل التذكير بثلاث تجارب عالمية هامة في مجال عمل وزارة الثقافة، بما أكتفي فيه بالقليل وعلى الوزارة المزيد من البحث أو إرسال وفود للاطلاع على تلك التجارب مباشرة لو راقت لها العينة و(مستعدة بطبيعة الحال أن أقود تلك الوفود أو أشارك فيها، أقله) (: .
أولا هناك تجربة عريقة لوزارة الثقافة الفرنسية. ومن أهم مافيها رسالتها التي وضعها الكاتب الفرنسي أندريه مالروكس كأول وزير لوزارة الثقافة للعام 1957م المستجدة حينها كوزارتنا للثقافة اليوم ووزيرها الشاب بدر الفرحان.
Democratization of Culture
وكان المقصود بتلك الرسالة تحرير الثقافة من وحشية رأس المال ومن وحشة النخبة بأن تكون الثقافة أدبا وفنونا وموسيقى ومسرحا وسينما حلالا على الجميع وفي متناول الكبير والصغير. وهذه الرسالة هي أحد الآمال المعلقة على عاتق وزارتنا الجديدة فلاتكون (تذكرة السينما بمئة ريال أو أقل بقليل مثال بسيط). ولتكون في مثال آخر بشكل يطلق المشاريع الثقافية كدور الترجمة والأكاديميات ومراكز البحوث وكل مايؤسس لثقافة وطنية جادة، كمحاولتنا لاستصدار تصريح بإنشاء ثنك تانك»، من عقال التعقيدات البيروقراطية المعتادة في الوزارات الهرمة. فليس هناك صناعة ثقافية لامع البيروقراطية ولا مع تقييد حرية التعبير ولا بتجاهل التعدد الثقافي بل بالاعتراف بحق الاختلاف بما فيه اختلاف الرأي والتفكير وبحق النقد وبمعرفة الأجيال الجديدة بالأجيال السابقة وقضاياها ونضالاتها وجعلها مع الأجيال الجديدة جزءا عضويا فعالا وليس شرفيا فقط من العملية الثقافية برمتها وليس فقط من هذه أوتلك من هيئاتها أو وظائفها.
ثانيا، التجربة اليابانية وقد جعلت اهتمام وزارة الثقافة ينبعا من الأدب والفنون والترجمة إلا انه لايقف عندها بل يشمل مجال العلم والتقنية
Since and technology
بما ركزت الوزارة اليابانية رسالتها فيه على تحويل الثقافة إلى ثقافة الإنتاج بمعانيه الوجدانية والعقلية في الأدب والفن والعلم والمخترعات التقنية. وفي التمثيل الموسع لليابانيين عند إقامة أوحضور المحافل العلمية والملتقيات.
أما التجربة الثالثة فهي تجربة الهند ورسالتها كانت الحفاظ على التراث ممثلا لثقافة الماضي ببناء المتاحف والمعارض والحفاظ على المعالم التاريخية في المراكز والأطراف والتوسع في إنشاء المكتبات العامة لثقافة المستقبل وإعطاء فرصة وصوت في الأدب والفنون لتنوع وتعدد المجتمع الهندي.
ولا بأس أيضا في هذا السياق من قراءة تجربة القصيبي في استحداث وزارة جديدة هي في حينها وزارة الصناعة من خلال كتابه حياة في الإدارة فهو مرجع لايقدم ولايشيخ لأي وزير شاب.
والخلاصة التي أريد أن أسرها أنه لا بد في الثقافة كوزارة من هدف ورسالة وكوادر من كل الأجيال التي تملك الخبرة والتي تملك حس المغامرة مع آليات فعالة للتنفيذ وجمهورأجزم أنه متعطش لثقافة جادة مجددة لا تقصي بناء على هوية التفكير أوسواه من التصنيفات المعهودة بل تبني هوية وطنية منفتحة على العالم بندية تحترم العقل والوجدان والضمير الفردي والوطني.
تمجيد الجنود والشهداء
على الحد الجنوبي
ليس هناك كلمات تكفي في جميع اللغات وليس في اللغة العربية وحدها للتعبير عن بطولة أولئك الذين يدافعون عن وطنهم أي عن كل منا وعنا جميعا قيادة ومجتمعا بثمن لامقابل له. فهم في هذا الشهر الفضيل يشترون صيامنا بصمودهم، يشترون تراويحنا وتسوقنا وقيامنا وزكاتنا وعمرتنا بوقوفهم في مهب الحرب. كما أنهم في كل لحظة منذ بدء هذه المواجهة العسكرية قبل ثلاث سنوات ربيع 2015م وهم يشترون نومنا بسهرهم، يشترون لقاءاتنا الأسرية بفراقهم لأهلهم، يشترون طمأنينتنا بقلقهم، يشترون واجهاتنا الإعلامية ومواقفنا السياسية المبدئية بمجهول مصائرهم. إنهم أولئك الجنود رقيقو الحال أقوياء القلوب شديدو السواعد حديدو الإرادة من ذلك الجيش الوطني الباسل من يشترون الأمن الوطني لتراب هذه الأرض بدمائهم. فهل لنا أمام هذه البطولة اليومية السخية أقل من أن نذكرهم ونذكر أسرهم الصابرة الصامدة في السر والعلن معنويا وماديا وفي كل لحظة وبكل وسيلة كريمة ونحن نفك الريق وساعة الإمساك ساعة القيلولة وساعة سعة الصدر. هل لتلك القنوات المفتوحة على كل «الملهيات من المفيد إلى التفاهات» أقل من أن تحترم مشاعر أمهاتهم ومواطنيهم بفقرات نبيلة تقطع وتيرة الإرسال الاستهلاكي وتذكر بطولاتهم الوطنية حتى لانسدر وننسى أن هناك حربا على حدودنا وأن من واجبنا جميعا الوقوف مع ماتمثله من حق بقدر ماعلى القيادة من واجب العمل على إيقافها بكل مايبذل من مساع سامية في هذا الاتجاه.