فوزية الجار الله
(1)
ذات زمن، في موقع ما تم مناقشة أحد المسؤولين الكبار بمشكلات جمة تتم تحت إدارته بهدف التوصل إلى أسبابها والحلول المتوقعة لها، يبدو أن الرجل كان متورطًا فقد وجد نفسه محاطًا بطوق من الأسئلة الشائكة التي لم يحسب لها حسابًا أين هو منها؟! هو رجل مسالم محب للحياة، يحب زوجته وأطفاله وأصدقاءه وعلى وجه الخصوص أصدقاء «الاستراحة»! ولا يطيق فراق والدته ووالده، يحرص دائمًا على برهما إضافة إلى ذلك يحب لحظات الصفاء وأيضًا الأكلات الشعبية والقهوة والشاي ويعشق مزج الشاي بالزنجبيل خاصة في صباحات الشتاء الجميلة، ما زالت الأسئلة تنهمر وكلمات طفله مازال صداها حول أذنيه «بابا أريد... لا تنسى» ينطق الثاء بدل السين يالروعة الأطفال! استيقظ على السؤال الأخير، أخذ نفسًا عميقًا ثم أخذ يقرأ الأسباب والحلول بمساعدة بضع أوراق أمامه لا يكف عن النظر إليها، ختم كلماته بقول «هذا ولا تنسوا بأن الدنيا فانية!!»، وكأنما يردد بينه وبين نفسه: اتقوا الله ولا تكثروا من استنطاقي فوالله لا أعلم شيئًا ولا ذنب لي لقد قرأت ما كتبه مستشاري بمنتهى الأمانة، أطلقوا سراحي فقد اشتقت لرؤية وجوه أطفالي.
(2)
إحدى السيدات عاشت مع زوجها عمرًا حافلاً بالنشاط والعطاء والأحداث المتفاوتة العذبة والمريرة لكنهما عبرا الطريق معًا وأنجبا عددًا من الأولاد وبعض الأحفاد الصغار، أعمارهما - أقصد الزوجين - متقاربة فكلاهما قد شارف السبعين من العمر وما دام كلاهما بصحة جيدة فهذه نعمة عظمى، لكن فيما يبدو أن الزوج يتمتع بصحة أفضل قليلاً من الزوجة ولسبب أو آخر فقد بدأت الوساوس تطوف بذهن المرأة «الحائرة»، لذا فقد قررت مرافقته مثل ظله أينما ذهب فمهما بلغت ثقتها به إلا أنها تؤمن بحقيقة لا تفارق ذاكرتها «لا أمان للرجال» وأنا أرى بما أنها عاشت عمرًا حافلاً بالعطاء والإنجاز برفقته بألا تشغل ذهنها كثيرًا، ثمة مجالات كثيرة يمكنها أن تجد نفسها فيها ولتترك للرجل مساحة من حرية لتجربة مستقبله مع غيرها.
(3)
للمرة الأولى تلتقيان بين الجموع، انهمكتا في حديث حميم يتخلله الكثير من الأحاديث الطريفة، بين الفترة والأخرى تطلقان ضحكات مشتركة، فجأة سألتها: هل لديك أسد؟ أدهشتها الكلمة، لكنهما تبادلتا نظرة وابتسامة وقبل أن توضح فهمت فورًا بأنها تقصد بالأسد «زوج».. أجابت مبتسمة: لا أنا لبوة وحيدة! ثم انطلقت ضحكاتهما لهذه النكتة العابرة.. تساءلت بينها وبين ذاتها هل أحسنت التشبيه أم أنها أخفقت؟!
شخصيًا لم يحدث إطلاقًا إن رأيت لبوة وحيدة، دائمًا كان ثمة أسد، وكأنما تفقد صفتها لو لم يكن إلى جانبها.