د.ثريا العريض
حين تناقش ولاية الأمر والقوامة تلتبس المنطلقات والتعريفات. يطالب البعض بمراعاة الفروقات الفردية, ويعيدها البعض بسطحية فهم إلى أصول مدعاة تمنحها صفة الثوابت فتمنع عنها المرونة في التعامل مع التفاصيل وتؤطر كل أنثى قاصرًا مهما بلغت من العمر. ولا يرون أنهم بهذه الرؤية يسلبون ديننا السمح أهم صفاته وهي المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان وقدرة التعامل مع الضروريات وموازنة القرار في ضوء الأوضاع الخاصة وليس فقط فرضيات العرف.
التضارب بين رأيين لما يجب أن يكون عليه وضع المرأة في الأسرة وفي المجتمع, أحدهما منفتحة والأخرى منغلقة لأسباب متعددة أمسى واضحًا بعد التغير الملموس الذي جاء به تطور المجتمع والرؤية الرسمية: من حيث نشر التعليم للجنسين, وتغير أسلوب الحياة من البساطة إلى الزخم الحضاري, وتضاعف احتياجات ما يضمن المستوى المعيشي اللائق أو المرغوب فيه. أصبح تمكين المرأة والشباب قرارًا لابد منه, ولم تعد مشاركة النساء في العمل الوظيفي والاستثماري ترفًا بل ضرورة مصيرية للكثير من الأسر التي لا يكفيها عائل واحد لتحقيق هذا المستوى. بل في بعض الحالات المرأة هي العائل الرئيس أو الأوحد. ولكي تستطيع المرأة أن تقوم بدورها بفعالية وكفاءة يجب أن تتغير رؤية المجتمع وتفسيرها لموقع المرأة, بما يفسح لها مجال التصرف واتخاذ القرار المصيري الخاص بها مباشرة دون المرور بتعقيدات أهواء الولي أو تحيزاته الفردية الخاصة به وقبوله التصريح لها بما تستطيع أو لا تستطيع فعله.
القوامة تفرض أن الرجل يقوم بكل احتياجات المرأة ماديًا، وكثيرون عاجزون اليوم عن تحقيق ذلك. أما ولاية الأمر فموضوع آخر ذو شجون يفترض أن كونها أنثى يعني أنها قاصرة عن اتخاذ القرار الأصلح لها في حياتها الخاصة والعامة, وأن أحد أقاربها الذكور يجب أن يتولى هذا الدور, ويبت في كل القرارات المصيرية في حياتها منذ ولادتها حتى تموت. في كثير من الحالات هي أكفأ منه وأقدر على اتخاذ القرار الأصح. بل قد تكون أكبر سنًا وأنضج من ولي أمرها الرسمي.
والأسوء طبعًا أن يجد بعض ضعاف النفوس في الولاية فرصة لخدمة مصالحه وأغراضه الخاصة, كأن يمنعها من التعليم أو يلزمها بتسليم راتبها إليه, أو القبول بمن يراه هو أهلاً لمصاهرته, أو يجبر قاصرة على الزواج.
ويزيد الالتباس أن فهم بعض الناس للولاية بني على تفسيرات انتقائية تسلب الأنثى حتى ما منحها الشرع من حقوق, كحقها في اختيار شريك حياتها, وحقها في الميراث وحقها في الملكية الخاصة والتصرف بها, وحقها في الحركة كأي إنسان طبيعي كامل الأهلية العقلية. وفي مفهوم المتشبثين بالسيطرة الذكورية على الأنثى لا يرون المرأة تبلغ سن الرشد.
وأضيف أننا نعيش زمنًا يمثل فيه الأمن الداخلي أهم التحديات. واستقرار المواطن في حياته الخاصة ماديًا ومعنويًا هو خط الدفاع الأول للأمن الداخلي. وكون النساء نصف المجتمع يعني أن تحقيق الشعور بالأمن والرضى للمرأة ليس فقط مطلبًا حقوقيًا بل أيضًا مطلب أمني.
هي مشكلة تتعدد فيها روافد التعقيد وتتكثف فيها التحديات أمام صناع القرار. فاكتظاظ القطاع العام وممارسات القطاع الخاص يثقل كاهل الدولة لإيجاد فرص توظيف. والأسوء من رفض عمل المرأة أن نجد من يستغل حصولها على وظيفة ومصدر دخل ليحجر عليها لتظل بوظيفتها مصدر رزقه هو. أو يحجر عليها حتى يأتي من يحمل لولي أمرها المهر المبالغ فيه أو مميزات التصاهر وتبقى معلقة في انتظار قد لا ينتهي وتفوتها الفرصتان العمل والزواج.
ونحن نحاول الخروج من ضعف بنية القدرة الاقتصادية لفئة الشباب السعودي في إطار متغيرات ثقافية عالميا, نقع مجتمعيًا في فخ تناقض ضمني غير معلن: يختزل المواطنات على أساس هش من التصنيف الجنسي, دون اعتبار القدرات الأخرى للفرد. ونجد التعنت الأقوى المقاوم لتمكين قدرات النساء يأتي من الطبقة التي أعرافها وممارساتها المجتمعية متحجرة في ما يخص موقع المرأة, حيث ترفض أن ترى أن من ضرورات البناء المجتمعي العام تفعيل القوى النسائية بكل حقوق المواطنة, وتعترف بوجودها فقط مرتبطة جذريًا باحتياجات الذكور وبالتالي تفضيلاتهم. الحمد لله أن الوعي والأوضاع في تحول إيجابي نحو مجتمع متوازن.
ونكمل في الحوار القادم