أ.د.عثمان بن صالح العامر
في كل مساء تصدر فيه الأوامر الملكية الكريمة يجزم المواطن في الداخل، والمتابع للشأن السعودي خارجياً، أن هناك إستراتيجية تطويرية وتغييرية واضحة، ترسم خارطة طريق لمستقبل سعودي واعد على جميع المستويات وفي كل المناحي والمجالات، ولعل الشأن الثقافي من أبرز وأهم هذه المجالات التي ستشهد قفزة نوعية مؤثرة عالمياً وبشكل لم يسبق له مثيل، كما أعلن ذلك صراحة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد الأمين مهندس ومبدع وداعم ومتابع رؤية المملكة 2030، وذلك في ثنايا كلمته التاريخية التي ألقاها خلال زيارة لفرنسا في غضون الأشهر القليلة الماضية، مؤكداً أن الثقافة السعودية سيكون لها حضورها العالمي في سوق الفكر الدولي عمّا قريب.
لقد نص الأمر الملكي الكريم على أن هذه الوزارة الوليدة تعنى بكل ما هو متعلق بالثقافة، وهذا يوجب -في نظري- أن يتحدد بشكل دقيق ماذا نعني بهذا المصطلح في ذهنيتنا المحلية، المختلف عليه عالمياً - في كبريات العواصم الثقافية - منذ بواكير عصره وحتى تاريخه، ويتبع هذا ويلحق به تحديد هويتنا الثقافية وملامحها الرئيسة، بحيث يظهر المشترك الإنساني أولاً، مواطن الاتفاق بيننا وبين الثقافات العالمية التي تجمع ولا تفرق، توحد ولا تشتت، ثم تبين الخصوصية الثقافية التي نتمتع بها دون غيرنا سواء في المفاهيم أو النظم أو القيم أو المواقف دون النيل أو التهجم أو التقليل من شأن الآخر ثقافياً الذي حقه الطبيعي التعرف عليه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.. ومن ثم الحوار معه «{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}... مع المحافظة على كرامته التي حفظها له الرب سبحانه وتعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..}، ومن ثم يتحدد من هو المثقف السعودي الذي له شرف تمثيل الوطن وحضور مناسباته الداخلية والخارجية، إذ إن هناك للأسف الشديد ممن ينعتون بهذا النعت (مثقف سعودي) وهو في حقيقة الأمر مختطف ثقافياً سواء من قبل الأحزاب والحركات السياسية المعروفة (القومية أو الاشتراكية أو الليبرالية الرأسمالية أو التيارات الإلحادية أو غيرها) أو الجماعات والتيارات الدينية التي تعرف بقوى الإسلام السياسي (جماعات الإخوان المسلمين أو السرورية أو حزب التحرير أو غيرها). وهذا يعني ضمناً أن تكون هناك أرضية صلبة تقف عليها ثقافتنا السعودية فلا نقف على أرض الثقافة الغربية التفكيكية أو الثقافة الدموية المتطرفة الإرهابية أو الاشتراكية الماركسية المثالية الغارقة بالأحلام المصادمة للفطرة الإنسانية أو غير ذلك، وهذا ما عرج عليه في أكثر من مناسبة قادة بلادنا - وفقهم الله - محددين إطار ثقافتنا السعودية العام (الإسلام الوسطي) الذي به نكون شهداء على الناس كما هو نص القرآن الكريم.
إنني في الوقت الذي أبارك لسمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود ثقة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمناسبة تعيينه أول وزير لوزارة الثقافة لأدعو الله عز وجل أن يعينه في تأسيس وبناء مشروع ثقافي سعودي متناغم ومتناسق يجمع الشتات ويوحد الرؤية ويسد النقص ويجعل من الملحقيات الثقافية السعودية في الخارج مثلاً منفذاً لبناء صورة ذهنية صحيحة عن بلادنا الغالية المملكة العربية السعودية، ومن التنوع المناطقي ثقافياً بوابة للثراء والإثراء الثقافي المنشود؛ كما أن كل محب للوطن يتوق لأن يرى في أسابيعنا الثقافية وأنديتنا الأدبية وملتقياتنا الفكرية ومؤتمراتنا الفنية ومسارحنا وأنشطتنا وأعمالنا و... شخصية مستقلة ذات خصوصية متميزة قابلة لمغازلة العالم بل منافسة العالم ثقافياً، ونحن أهل لذلك بتوفيق من الله أولاً ثم بدعم من ولاة أمرنا -وفقهم الله- وبما نملك من موروث ثقافي جزل ومتنوع له عشاقه ومحبوه في بقاع الأرض المختلفة، وهذا لن يتأتى دون وجود منصة (الثقافة السعودية) تطلق في العالم الافتراضي لتكون هي المفتاح للنافذة والباب الجديدين في عالم سعودي متطور وبناء يتوق دائماً إلى خوض المنافسة العالمية بكل ثقة واقتدار، ولذا فليس للإبداع - في ذهنية قيادتنا الطموحة - حد بل التحليق وصولاً إلى عنان السماء هو شعار المرحلة الجديدة في تاريخ الدولة السعودية الفتية المتجددة. ألقاكم على خير، ودمت عزيزاً يا وطني، والسلام.