خالد بن حمد المالك
ظلت الثقافة في بلادنا تتنازعها أكثر من جهة حكومية، بما يشبه الوصاية عليها، وكان آخر إجراء تم لها تحريرها من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ونقل اختصاصاتها إلى وزارة الإعلام التي غيَّر اسمها لتكون وزارة الثقافة والإعلام، وكان هذا القرار لم يكن مقنعاً للمثقفين الذين ظلوا يطالبون بوزارة للثقافة.
* *
شمل القرار آنذاك نقل كل ما له صلة بالثقافة من موظفين ومبانٍ وأندية وجمعيات وغيرها سواء في رعاية الشباب أو في الجهات الأخرى إلى وزارة الثقافة والإعلام بحكم الاختصاص الجديد، وظلت الوزارة تتولى مسؤولية الثقافة إلى جانب مسؤوليتها الإعلامية إلى أن صدر القرار بإنشاء وزارة الثقافة، وخروج الشأن الثقافي من عباءة وزارة الإعلام.
* *
كان اهتمام وزارة الثقافة والإعلام الرئيس بوسائل الإعلام، وكانت الثقافة بكل تنوعاتها تأخذ اهتماماً من الوزارة أقل، وهو ما كان موضع ملاحظة من المثقفين، وإصرارهم على أن الثقافة لن تخدمها وزارة مشتركة بين الإعلام والثقافة، إذا ما أُريد للثقافة أن تكون جزءاً من الحراك الذي تمر به المملكة الآن، وبخاصة مع إطلاق الرؤية 2030 ودخول المملكة إلى أجواء وممارسات ثقافية لم تكن موجودة من قبل.
* *
كان الخطأ الكبير حين تم ضم الثقافة للإعلام، فقد أثر ذلك على تواضع الخدمة لكل من هذين النشاطين -الإعلام والثقافة-، وهو ما أدركه الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد، فتم الفصل أخيراً لعدم وجود تطابق أو تجانس يجعل من وزارة الإعلام والثقافة قادرة على تقديم الخدمة التي تناسب متطلبات النشاطين.
* *
والأهم من ذلك أن الحراك الثقافي في هذه المرحلة بكل تخصصاته وفنونه شهد انفتاحاً غير مسبوق في المملكة، فقد فُتحتْ كل الأبواب المغلقة، وتم التسامح مع ما كان محظوراً أو متحفظاً عليه، الأمر الذي يجعل من وجود وزارة للثقافة ضرورة لا غنى عنها، لتخدم القطاعات الثقافية الكثيرة التي سُمِحَ لها في عهد الإصلاح والانفتاح.
* *
وكما أن إنشاء وزارة للثقافة يخدم الثقافة بأفضل مما كان، فإن وجود وزارة للإعلام بعيداً عن مسؤوليتها الثقافية، سوف يساعد على تطوير العمل الإعلامي، ويرتقي بمستواه، ويساعد على بلورة أفكار جديدة وتنفيذها، ليكون لدينا إعلام يُشاهد ويُسمع ويُقرأ بأفضل مما هو عليه الآن.
* *
وكما جاء إنشاء وزارة للثقافة ملبياً للمصلحة العامة، ومستجيبًا لرغبة شريحة واسعة من المواطنين، فإن اختيار الأمير بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود كأول وزير لهذه الوزارة الجديدة، هو اختيار في مكانه الصحيح، فتسمية سموه وزيراً للثقافة لم يأت من فراغ، فهو كان في أجواء وعمل المؤسسات الإعلامية والثقافية، ويعرف دروبها، ومتطلباتها، وما ينبغي أن تكون عليه، ولهذا فإن الثقة به والترحيب بالوزارة المستحدثة سوف يجعل كل عناصر النجاح مهيأة للوزارة الناشئة.
* *
وهناك الكثير الذي نتطلع إليه من الوزارة الجديدة، فكل الأسباب تهيئ لها فرص النجاح، من دعم مادي وشخصي من ولي العهد، ومن مساندة وعون من كل الشرائح المثقفة، فقد تاق الجميع إلى رؤية الثقافة بكل أطيافها تحقق تطلعات المواطنين، وتوفر لهم ما كان يضطرهم إلى السفر إلى الديار البعيدة والقريبة بحثًا عن اهتماماتهم ورغباتهم كالسينما والمسرح والموسيقى وغيرها.
* *
كلنا ثقة بأن الثقافة سيكون لها شأن آخر مع ولادة هذه الوزارة الفتية، التي تستمد قوتها من الإرث الثقافي السعودي الكبير والمهم والعظيم، مدعومة من الملك وولي العهد، ومحاطة باهتمام شعبي كبير، وهي بوزيرها وجهازها الوظيفي قادر على أن تكون في مستوى الآمال والتطلعات.