د. جاسر الحربش
المعنى في تطوير الجلباب رمزي، تعديل ما يجب تعديله من المفاهيم لانتفاء الحاجة.. «لن أعيش في جلباب أبي»، ذلك المسلسل المصري الجميل قدم العمل الفني المناسب للتعامل مع المتغيرات المعيشية والاجتماعية في مصر، حواراً ومواقف وأداء ممثلين متميزين، صراع الأجيال المتتابعة في سبيل الحصول على لقمة العيش الشريفة، وبناء بيت الزوجية المكتفي بجهود أهله، وتربية وتعليم ما ينتجه من الأولاد والبنات، ذلك كان المحور الذي تدور حوله حبكة المسلسل بأحداثها بين الرئيس والمرؤوس وبين فاسد الذمة ونظيفها وبين القديم والجديد، وإبراز الدور الفائق الأهمية لعمل البنت المحترمة لتوفير الرعاية المعيشية والطبية لوالدها المسن، ولاحقاً لمساعدة زوجها الشاب الشريف في بحثهما عن الاستقرار بعرق الجبين وراحة الضمير.
أهز رأسي عند تذكر ذلك المسلسل المصري، وغيره مثل «عبده غلط في الحساب» للراحل سيد بدير، وأسأل لماذا غياب جهابذة المسلسلات الفنية السعودية عن ذلك العمق في فهم المجتمع وتلمس همومه ومصاعبه وطموحاته ومحاولاته تجنب الانزلاق نحو فساد الذمة والشرف، وفي مخيلة كل أب وأم الإصرار على تربية أبناء وبنات يستطيعون القول باعتزاز هذان هما والداي اللذان ربياني وعلماني وأنارا لي الطريق.
العنوان، لن أعيش في جلباب أبي، يعبر بحد ذاته وبكل هدوء عن اتخاذ القرار للتعامل مع القديم والتخلص من بعضه، وهو رمزياً الجلباب الواسع الطويل الذي يعيق الحركة ويوحي لصاحب الشركة أن الشاب المتقدم أمامه للوظيفة ينتمي لجيل لا يفهم الأوضاع الجديدة وما تتطلبه من سرعة الأداء والتأقلم مع نمط الحياة.
ليس في المسلسل ولا في العنوان ولا النص الحِواري عواصف ولا افتراضات متخيلة، وإنما خارطة طريق لتعامل بطل وبطلة الفيلم مع الفقر والكفاح والطموح، يعقبها بعد الاستقرار المعيشي المناوشات المتوقعة داخل البيت مع الابن الذي داخلته وساوس جهادية تهدد حياة بيت الأهل وحياته وتسبب لهم الأرق والتعاسة.
مع التسارع الملحوظ في متطلبات وتطلعات جيلنا السعودي الحالي الذي يشكل الشباب منه ثلثي التعداد السكاني، لم نعد في وارد الرضا بالمواعظ والحكم والأمثال، وإنما نحن في أمس الحاجة لأعمال فنية درامية تفتح العقول للتفكير في تكوين الذات الشريفة واستنباتها في الأحفاد.
المسلسلات التي هطلت علينا في شهر رمضان المبارك تمحورت أغلب اهتماماتها حول اغتصاب الإضحاك والتهريج والاستملاح وأحياناً السماجة، وقليل منها يحاول تقديم الدراما الاجتماعية بطريقة التعري الكامل من الجلباب القديم.
الأفضل والأصح التطوير في الجلباب الوطني والاحتفاظ به وتخفيض التهريج إلى القدر الذي لا بد منه مثل الملح في الطعام، ومن المعلوم أن زيادة الملح في الطبخة ترفع الضغط.