د. محمد عبدالله العوين
أود أن أصحح معلومة وردت في الجزء الأول من هذا المقال عن الشيخ حمد الجاسر؛ فقد أشرت إلى أن ابنه محمدا كان ينوي العودة إلى المملكة وسقط صاروخ على الطائرة التي يستقلها وهي جاثمة في المطار تهم بالإقلاع، وهذا وهم مني، والصواب أن محمدا كان عائدا من رحلة استجمام إلى أوروبا بعد تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت وأراد العودة إلى المملكة واعترضها صاروخ وهي تهم بالهبوط فأسقطها في البحر وقتل من فيها.
وقد أجابني الشيخ حمد على تساؤلي عن عدد أولاده فذكر لي فيما ذكر من تفاصيل أن لديه ابنين محمدا ومعنا وأربع بنات، وكلهم موفقون ومتميزون في دراساتهم، وأنه تزوج متأخرا فوق الخمسة والثلاثين من عمره في «عشر الأربعين « كما قال.
دخلنا لإجراء الحوار في مكتبته؛ وكانت تتكون من صالة كبيرة ممتدة أشبه بغرفة كبيرة طولية وفي صدرها مكتب صغير يكتب عليه ويستقبل فيه ضيوفه، كان حاسر الرأس مشرق الوجه طلق المحيا مبتسما أريحيا حاضر الذاكرة متفائلاً مستبشراً بقادم أيامه داعياً الله أن يمتعه بصحة جيدة ليواصل ما تبقى من مشاريعه العلمية.
نشأ الأستاذ في قرية البرود من إقليم سدير فقيراً عليلاً، وحفر له قبره أربع مرات حين بلغ اليأس من أن يبل من علله، ولم يمش إلا في سن الرابعة من عمره. تحدث الأستاذ حمد عن نشأته تلك بألم، تألم من الفقر والفاقة ومن شح الموارد - آنذاك - ذكر لي أنه ولد عام 1328هـ ولكن لا يعلم الشهر أو اليوم، ولعل الله أراد له خيراً فتلقفه «مطوع القرية» ومنه بدأ خطوته الأولى في طريق العلم الطويل.
من أسرار ذلك اللقاء الطويل الموسع أن أفاض لي بما لم يذكره في أحاديث سابقة أو لاحقة -حسب علمي- أو ربما ذكر شيئاً منه تلميحا، ولكنه ارتاح وفضفض وقص ما حدث له من مواقف فيها شيء من المواجهة والاعتداد بالرأي ونضج الشخصية المتفتحة المتنورة في مرحلة مبكرة جداً من عمره.
ذكر أنه اصطدم مع الشيخ عبد الله بن حسن رئيس القضاة بعد أن صدر نظام من مجلس الشورى بأن اللباس الرسمي لموظفي الدولة هو العباءة والعقال؛ فسأل الشيخ حمد: لو أمرنا أن نلبس عقالاً نلبس؟ فقال: نعم، لو أمرنا أن نلبس لباس الشرطة لبسنا. فنقل إلى رئيس القضاة أن الشيخ حمداً قال: لو أمرنا أن نلبس لباس النصارى لبسناه. فدعاه الشيخ عبد الله بن حسن وعاقبه عقوبة بدنية أمام المشايخ وأمام الناس!
وذكر لي أنه فضل الإقامة في بيروت من عام 1381هـ بعد أن حدثت تحولات إدارية في إدارة مجلة «اليمامة « لم يكن راضيا عنها، فأقام في لبنان إلى عام 1386هـ وهناك أنشأ دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، ثم أصدر مجلة العرب.. يتبع