عمر إبراهيم الرشيد
رمضان شهر القرآن والتعبد والنوافل مثلما أنه شهر ضبط السلوك البشري بأطماعه وغرائزه الفطرية. كما أن وقته فيه بركة يجد معه الصائم الفرصة للقراءة الحرة بعد الانتهاء من تلاوة الكتاب الحكيم. هنا سأوجز مادة كتاب ذاعت شهرته عالميًا وعربيًا، هو كتاب (العظماء المئة في تاريخ البشرية) للدكتور مايكل هارت، وهو عالم رياضيات وفيزيائي يهودي أمريكي. بالطبع ليست إشارتي لهذا الكتاب تبجيلاً له وإنما من باب الاطلاع كما قلت، لأن الكتاب مثير للجدل بل وصادم للكثيرين، ولا يحتاج سيد الخلق لشهادة من هذه النوعية فتكفيه شهادة خالق الكون جل جلاله.
وضع مايكل هارت مئة شخصية تاريخية على أنها الأعظم ورتبها بحسب قوة تأثيرها على البشرية وامتداد ذلك التأثير زمنيًا وجغرافيًا، عقائديًا وفكريًا، وثقافيًا واجتماعيًا وغيرها من مجالات التأثير الإنساني العام، مخصصًا نقاطاً لكل حقل، وبحساب موضوعي رأى أن أول الشخصيات في تاريخ البشرية تأثيرًا يمتد إلى وقتنا الحالي هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وضع ثاني الشخصيات العالم الفيزيائي الإنجليزي إسحق نيوتن، ثم النبي عيسى عليه السلام ثالثًا، وهو ما أثار المسيحيين عليه، ولا شك أن هذا الترتيب لا يرضي مسلمًا راسخ الإيمان. ثم إنه وضع بوذا مؤسس البوذية في المرتبة الرابعة، ثم كونفوشيوس الصيني خامساً، فالقديس بولس ناشر المسيحية سادساً، ثم حل الصيني تساي لون مخترع الورق سابعًا، أما مخترع الطباعة يوهان غوتنبرغ فحل ثامنًا، وجاء كرستوفر كولومبوس تاسعًا، وفي المركز العاشر أتى ابن جلدة المؤلف وهو العالم الفيزيائي ألبرت آينشتاين صاحب نظرية النسبية.
نحن كمسلمين نجل الأنبياء والمرسلين بما لهم من مكانة عند الله تعالى وما حملوه من رسالة، وما واجهوه من عظم البلاء. لذا فإن الكثيرين يرون أن مجرد وضع سيد الخلق مع شخصيات أخرى عادية فيه من التعدي والإساءة أكثر من التبجيل. ويرى آخرون أن هذه إشادة موضوعية من شخص لا يدين بالإسلام ولا يدرك حقيقة هذا الفارق بين النبي وغيره من البشر، وأن ما ساقه من مبررات تصنيفه للنبي الكريم بأنه أعظم شخصية في التاريخ تغلب موضوعية هذا الاختيار (بالنسبة له). وكما قلت يظل الكتاب جديراً بالقراءة لنتعرف على تفكير هذا المؤلف وليس بحثاً عن شهادة. بقي أن أشير إلى أن المؤلف والمولود عام 1932م ما يزال على قيد الحياة، وبحسب علمي أنه ما زال أستاذًا في جامعة ميريلاند الأمريكية. إنما لابد من الإشارة كذلك إلى دعوته في العقد الأول من الألفية إلى تقسيم الولايات المتحدة الأمريكية إلى أربعة أقسام، ولايات للبيض، وأخرى للسود، وثالثة لذوي الأصول اللاتينية، والباقي للملونين والمختلطين، وهو من المناصرين للعرق الأبيض على ما سواه، وفي هذا إشارة واضحة لعنصرية نستغربها إذا عدنا إلى تأليف كتابه هذا الذي أحدث دويًا عند تأليفه عام 1978م. والغريب هو دخوله في نقاش حاد في إحدى محاضراته مع أحد أعضاء منظمة (كوكلاس كلان) والمشهورة بالقتل والاعتداء على أعداد كبيرة من الأمريكيين الأفارقة، حين قال ذلك العضو إن البيض هم المتفوقون على غيرهم من البشر ذكاء وسمات شخصية، فرد عليه مايكل هارت بأن هذا معاداة للسامية!، هذه العبارة التي تستخدمها (إسرائيل) عصا تطارد بها الغرب والشرق. تقبل الله صيامكم.