عبدالعزيز السماري
من أعظم الأخلاق الإنسانية العفو عند المقدرة، يتداول الكثير هذه العبارة بدون وعي لما تحمله من معانٍ علمية دقيقة، فالقدرة على العفو مرحلة متقدمة في حياة الإنسان ووعيه، وما لم يدركه الناس أن الوصول إلى تلك المرحلة يعني الوصول إلى مرحلة الإنسان الأكمل والأفضل، بالإضافة إلى تجاوزه لكثير من الأخطار والأمراض الجسدية والنفسية.
استمرار مشاعر الاستياء والغضب العميق في أي علاقة إنسانية بمثابة العلة المزمنة، وهي ليست مؤذية فقط بصحة العلاقة مع الآخرين، ولكن أيضًا ضارة للغاية بالصحة الجسدية والنفسية للأفراد المعنيين، وقد أظهرت الأبحاث الحديثة في مجال علم النفس نفوذا قويًا للمغفرة والتسامح والعفو في إعادة بناء العلاقات الصحية، وإعادة الثقة وفرص النجاح إلى مسارها الطبيعي، وتحقيق الأهداف في أجواء من الإيجابية.
يرتبط العفو بنظام القلب والأوعية الدموية السليمة، فقد أظهرت الدراسات أنه بعد التسامح مع شخص آخر أضر بك، أظهر الأفراد انخفاضاً في معدلات ضربات القلب، وانخفاضًا لضغط الدم ولمستويات الكورتيزول في مجرى الدم بشكل ملحوظ، كما تشمل الفوائد الصحية الإيجابية الأخرى للمغفرة تحسين الأكسجين وإمداد المغذيات بالخلايا والأنسجة، والصداع الأقل، وتحسين الألم المزمن، وتحسين أعراض التهاب المفاصل، وحل المشكلات الهضمية والتعافي السريع من الإصابة.
بالإضافة إلى ذلك اتضح في الأبحاث أن التسامح يقوِّي جهاز المناعة والقدرة على مكافحة العدوى والأمراض بشكل أفضل، كما أن التنفس يصبح أعمق وأكثر انتظامًا بعد مسامحتك لآخر أضر بك، كما يتوقف الجسم عن إنتاج إنزيمات ضارة يتم إنتاجها عندما تكون في حالة غضب، وهذه الإنزيمات تزيد من التوتر، وترفع مستويات الكوليسترول وضغط الدم إلى معدلات غير مسبوقة..
ما يخفى على الكثير أن للتسامح مهارات يكتسبها المرء بالتدريب، فقد أثبتت بعض الدراسات أنه لكي تكون قادرًا على العفو حقًا، يجب أن تكون قادرًا على التعاطف مع الآخرين، ويبدو أن الذكور يواجهون صعوبة أكثر في التسامح من شركائهم مقارنة بالنساء. ولذلك كلما ازداد تعاطفهم، تزداد فرص احتمال أن يتخيلوا أنفسهم على أنهم قادرون على نفس الفعل المؤذي الذي مارسه خصمهم، وبالتالي كانوا أكثر قدرة على الغفران والصفح.
اللا تسامح عائق، قد يؤدي إلى ضياع سنوات وفرص في حياة المرء، وإذا تعلم الإنسان التسامح والصفح أصبح أكثر قدرة على النجاح ومن ثم الوصول إلى أهدافه، وأيضاً أكثر قدرة على التواصل مع الآخرين، لكن الأهم من ذلك هو كسب ثقة الآخرين، فالتسامح بمثابة المصباح الذي يضيئ الأمكان المظلمة، ويطرد التوحش والخوف من زوايا الأماكن..
أظهرت دراسات علمية أن بعض الناس أكثر تسامحا بطبيعة الحال من غيرهم، وأن أكثر أنواع التسامح تميل إلى أن يكون لها مستويات أعلى في التوافق والانسجام، وإن الأشخاص الذين يميلون إلى تأمل الأشياء واجترار الأفكار عادة ما يكونون أقل سرعة في التسامح، حيث إنهم أكثر عرضة للإمساك بالأحقاد أو الشعور بالأذى من غيرهم.
يتوفر الآن برامج لتعلم قدرات العفو، والوصول إلى مرحلة متقدمة في مهارات الصفح والتسامح، وهو بيت القصيد في المقولة الشهيرة العفو عن المقدرة، فالمقصود بالقدرة هو اكتساب مهارات وأساليب تجعل منك أكثر استطاعة على التسامح والصفح والعفو، ولذلك إذا كنت تعاني من أي أعراض جسدية مبهمة أو توتر وقلق مزمن، تعلم مهارات التسامح، فقد تخفف معاناتك، قبل أن تصل حالتك إلى مرحلة المرض المزمن.