سعد السعود
ثمة أساطير في كرة القدم لا يمكن أن تنساهم المستديرة.. فقد قدموا لها الكثير.. وحفروا أسماءهم في مجلد التاريخ.. لتبقى ذكراهم عطرة على مر الأجيال.. لا يمحوهها زمن ولا يعتريها نسيان.
فهنالك من كانت أقدامه المتحدث الرسمي لفنه.. فزرع الملاعب بمهاراته.. وأرعب الخصوم بأهدافه وتسديداته.. ليردد الجمهور في كل لمحة له آهاته.. ومن أولئك عدد ليس بالقليل.. فماردونا مثلاً وبيليه وزيدان ورنالدو البرازيلي وكذا البرتغالي وميسي وغيرهم الكثير ممن وضع بصمته داخل الميدان.
وبالمقابل هنالك على الضفة الأخرى من الإبداع كان للمدربين نصيبهم من القمة.. فهنالك من كانت كأس العالم هي نتاج أفكاره ودهاءه.. وهنالك من كأس أبطال أوروبا هو ملعبه وفيه قدم أجمل عطاءه.. وهنالك من كان مدرسة في التكتيك فبصم بطريقته على فريقه لتكون إيقونة خاصة به.. ولعل الكثير ممن تفوق في هذا المجال.. ولعلي أعجز عن حصرهم لكن سأذكر في العصر الحديث أشهرهم كمورينهو وبيب غوارديولا وانشلوتي وكونتي وآخرهم وليس أخيرهم زيدان.
لكن قليل من جمع المجد من أطرافه.. وتجاوز مقولة صاحب صنعتين كذاب.. حيث نال مرتبة الشرف ودرجة التميز.. فكان في الملعب سيده المعجز.. وكان بالتدريب أميره المنجز.. وزيدان هو خير مثال.. فعودة إلى تاريخه في الملاعب فلم يبق كأس إلا وصافحه ولم تبق بطولة إلا وحققها.. وعندما ركب صهوة التدريب كان بطل السباق.. فحقق في سنتين ونصف ما عجز عن تحقيقه جهابذة التدريب في عقدين ونيف.. فماذا يقال بعد ؟
الجميل في الجميل زين الدين زيدان أنه لم يغادر يوماً إلا ورأسه مرفوعاً.. فعندما اعتزل الملاعب كان في قمة مستواه وقامة البطولات.. وهكذا فعل عندما ترجل عن التدريب فكان للتو قد حقق ثالث بطولاته الأوروبية وتاسع كؤوسه في ثلاثين شهراً.. وهكذا هم العظماء.. مغادرتهم مختلفة ورحيلهم كالأشجار لا يكون إلا وهي واقفة.. يكفي أن نقول عنه إنه نال أبطال أوروبا لاعباً ومساعداً ومدرباً لتبيان مدى ما وصل إليه من مجد فاخر.. فكيف لو عددنا ما سواها ؟!
أخيراً.. ما أحوج الكثير من الوسط الرياضي المحلي لاستيعاب درس رحيل زيدان.. فكم من لاعب خالط الشيب شبابه ومع هذا لازال يظن أنه فتياً.. ففاته القطار وأساء له الصغار.. فطالبوه بالاعتزال ومغادرة المجال.. وهذا للأسف ما يحدث أيضاً لدى بعض رؤساء الأندية والمدربين ولعلي أتحدث هنا عن المحليين.. فكم من متشبث بمكانه وقد فاته أوانه.. فالمدرج يهاجمه والإعلام ينتقده ومع هذا وذاك وجدناه متمسكا بمنصبه رغم أنه لم يحقق ولا واحد بالمئة من طموح الفريق بل ربما لم يحقق شيئاً.. فمتى يعي (ربعنا) ماهية وكيفية المغادرة.. فلا يكون الخروج إلا مشرفاً.. ولا يكون الرحيل إلا وهو بالقمة متربعاً.. لكي تبقى سيرتهم محفورة على مر العصور.
خاتمة
لأحمد بهجت: ليس هناك أقسى من مجد تستعيد ذكرياته وأنت في القاع.