نجيب الخنيزي
أدلى الناخبون في العراق بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو 2018، والتي تعد أول انتخابات برلمانية بعد تحرير المدن والمناطق التي كان يحتلها مسلحو تنظيم «داعش» الإرهابي، كما هي رابع انتخابات برلمانية منذ الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003.
ووفقا لبيان المفوضية العليا للانتخابات فإن 11 مليون عراقي من أصل 24 مليونا يحق لهم الانتخاب أدلوا بأصواتهم، لاختيار ممثليهم بالبرلمان، وشهدت أدنى نسبة إقبال، حيث بلغت 44 بالمئة، في حين كانت نسبة الإقبال لا تقل عن 60 بالمئة في الانتخابات التي جرت منذ 2005، وخاض أكثر من 7 آلاف مرشح في 18 محافظة الانتخابات هذا العام من أجل الفوز بمقاعد في البرلمان الذي يضم 329 مقعدا.
من المتوقع أن يضم البرلمان الجديد 31 «كتلة». وإذا أضيفت إليها مقاعد المكونات فإن العدد سيرتفع إلى 36 «كتلة» و 3 نواب مستقلين.
المفاجأة الانتخابية الكبرى هو تصدر كتلة سائرون التي يدعمها مقتدى الصدر و التي تضم تحالفا عريضا بطرفيها الديني (حزب الاستقامة) والمدني وأهمها الحزب الشيوعي العراقي بالمركز الأول، في حين احتل تكتل رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي (كتلة النصر) المركز الثالث، كما احتل تحالف (الفتح) الذي يضم الجناح السياسي لفصائل الحشد الشعبي، بقيادة وزير النقل السابق هادي العامري الذي يحظى بدعم إيران بالمركز الثاني، كما جاء تحالف الوطنية بقيادة أياد علاوي (21مقعدا) بالمركز الخامس.
بطبيعة الحال لن تستطيع أي كتلة بمفردها أن تقرر تشكيل الحكومة المقبلة، في ظل التشرذم الواسع للكتل الانتخابية، بما في ذلك تحالف سائرون الذي فاز بحوالي16.5 % فقط من عدد مقاعد البرلمان الجديد، الأمر الذي سيجعل مارثون تشكيل الحكومة المقبلة طويلا ومعقدا ومليئا بالمساومات الشاقة بين الكتل المتنافسة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هي دلالات الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة وما هي المتغيرات التي أفرزتها؟
لا شك أن نسبة المشاركة المتدنية، تعكس موقفا سلبيا لدى قطاعات واسعة من الشعب العراقي، وخصوصا فئة الشباب منهم إزاء الطبقة السياسية الحاكمة (على اختلاف انتماءاتها المذهبية والاثنية) في العراق، نتيجة فشلها الذريع في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية والأمنية كافة، ناهيك عن استشراء الفساد بأشكاله وتجلياته ( المالية والإدارية) المختلفة، ناهيك عن وقوع العراق في متاهة الصراعات الإقليمية و الدولية، التي مست على نحو خطير سيادة واستقلال العراق، وهو ما عكسته المظاهرات العارمة لمئات الآلاف التي خرجت إلى الشوارع رافعة شعار (باسم الدين باكونه الحرامية)، والتركيز على العراق أولا، وغيرها من الشعارات العابرة للطوائف، وهو ما تجسد عمليا في تصدر القائمة المدعومة من مقتدى الصدر ( التي طرحت شعارات قوية تندد بالفساد و نظام المحاصصة والتركيز على المصالح العراقية ) على بقية الكتل بما في ذلك كتلة النصر التي يتزعمها رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي الذي سعى جاهدا لتجيير هزيمة «داعش» لصالحه.
لا شك بأن نظام الفساد والمحاصصة في العراق قد تلقى صفعة قوية لكنها غير مميتة، وبالتالي هو قادر حتى الآن على إعادة إنتاج نفسه من خلال المساومات أو حتى تقديم تنازلات غير جوهرية، غير أن التعويل في المستقبل المنظور أوالوسيط يتمثل في بلورة
وظهور ما يمكن أن نطلق عليه الكتلة التاريخية (المدنية) الجديدة باعتبارها البديل الثالث للسلطة الفاسدة من جهة، والقوى التقليدية الممثلة بالإسلام السياسي من جهة ثانية، وقد تكون كتلة سائرون خطوة أولى على هذا الطريق الذي من شأنه استعادة الوحدة الوطنية وقيام الدولة المدنية بعيداً عن الهيمنة الإيرانية، وانتشال العراق الغني بثرواته الطبيعية والبشرية من وطأة التخلف، والفقر، والبطالة، وتدهور البنية التحتية والخدماتية، وانعدام الأمن، واستمرار الصراعات المذهبية والعرقية.